تشكل معامل الطابوق في بلادنا، التي أدمنت استيراد كل شيء كمن أدمن على التدخين رغم قناعته في الإضرار بصحته، قطاعا مهما من الصناعة التحويلية، فمادة الطابوق وهي المادة الأساسية في حل إشكالية السكن وإعادة إعمار القاعدة التحتية للمدن المخربة من القوى الإرهابية إلى جانب مواد الإسمنت والحديد وغيرهما في إطار استراتيجية متكاملة لإنعاش قطاع البناء والتشييد.
ويبدو أن هذه الإشكالية لم تتعلق فقط بغياب التنسيق بين القطاعين الحكومي والخاص من قبل وزارة الصناعة ولكن غياب هذا التنسيق يشمل أيضا الوزارات الحكومية، فمشكلة الوقود وهي من مهمات وزارة النفط لم يقتصر تأثيرها على إنتاج الطاقة الكهربائية فقط وإنما تنصرف امتداداتها أيضا على القطاع الصناعي الخاص، ففي هذه الأيام تنقل الأخبار أن أصحاب معامل الطابوق في واسط نظموا وقفة احتجاجية على تقليص حصص الوقود المدعومة من وزارة النفط إلى ربع الكمية المخصصة لهم شهريا، فالخط الانتاجي الواحد مثلا يتطلب 330 الف لتر من النفط الاسود، مما ترتب عليه توقف 70 معملا من معامل طابوق واسط و100 معملا في ديالى توقفا كليا اضافة إلى توقف جزئي في المعامل الأخرى متسببا بتسريح اكثر من عشرة الاف عامل، وهذه ليست الأزمة الأولى التي تواجهها هذه المعامل مما تشي إلى أن الحكومة لم تأخذ الأزمة بعين الجدية والاعتبار.
ويبدو أن اشكالية نقص الوقود لم تقتصر على معامل طابوق واسط وديالى وإنما عمت كافة معامل الطابوق في العراق بما فيها معامل النهروان، وفي الواقع أن هذه الأزمة لم تحدث لنزوة خاصة من أصحابها وانما لأسباب حقيقية على الأرض وهي لم تقتصر على ارتفاع أسعار الوقود وعدم كفاية الكميات المجهزة فحسب بل تقترن بأسباب أخرى اجتمعت مع بعضها ومنها على سبيل المثال التباطؤ في الإجراءات الخاصة بتجديد الرخص وغياب التخطيط لتنظيم عمل وإنتاج هذه المعامل بما يكفي لسد الحاجة المحلية والكف عن استيراد الطابوق الأحمر الإيراني الرديء والجوانب القانونية المتعلقة بحقوق العمال وألا فان استمرار هذه المشكلة سيتسبب بتسريح مليون عامل.
إن هذه المشكلة، تحدث في وقت يتزايد المخزون من النفط المنتج في البلاد الذي يفترض زيادة حصص القطاعات الانتاجية المحلية، وأن تدعم أسعارها كي تتماشى مع تزايد الأسعار في السوق العالمية إلى جانب سياسة دعم القطاعات السلعية المحلية، وتنشيط عملية التنمية الاقتصادية في القطاعين الحكومي والخاص تماهيا مع البرنامج الحكومي المعلن في بداية تشكيل الحكومة الحالية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار متطلبات الاستعدادات الحكومية لإعادة إعمار القاعدة التحتية للمدن التي خربت من قبل الدواعش، وتنفيذ البرنامج الحكومي لحل مشكلة السكن وبناء المدن السكنية الاقتصادية دعما للفقراء عن طريق الإقراض من صندوق الاسكان، إذ أن تقليص الحصص من النفط الاسود كما تقدم، لا يستقيم مع متطلبات تنفيذ البرنامج الحكومي المعلن.
لهذه الأسباب ومن أجل اظهار الجدية في حل اشكالية السكن، يتعين مراجعة الاستراتيجية المتعلقة بقطاع التشييد والبناء ومتطلبات تنميته من خلال منظومة من الاجراءات ومن بينها:
- التنسيق الكامل بين وزارات الدولة، وتوحيد السياسات المشتركة وخاصة قطاع البناء والتشييد الحكومي والقطاع الخاص، عن طريق تزويد معامل المنتجة لمواد البناء بالكميات الكافية من الوقود المدعومة والطاقة الكهربائية، وتقليص كلف الانتاج.
- حماية المنتجات الوطنية من مادة الطابوق والإسمنت وحديد التسليح والثرمستون والسيراميك، من المواد المماثلة المستوردة، وتشجيعها على زيادة الإنتاج وسد الطلب المحلي وتطوير مواصفاتها للاحتفاظ بالاحتياطي النقدي وتمكينها من دخول الأسواق الخارجية.
- العمل على تشجيعها في إدخال التكنولوجيا وتمكينها من توسيع طاقتها الانتاجية واستيعاب الايدي العاملة العاطلة وخاصة المتخصصة في هذا النوع من الانتاج.
- إيلاء اهتمام أكبر بالثروة المعدنية المطمورة تحت الأرض ومسح المناطق الجيولوجية والتوزيع الجغرافي والجيوفيزيائي ومعرفة مواطن الصخور الرسوبية والنارية والصخور الجيرية والجبسية وامتداداتها على طريق حركة تصنيعية عمرانية فاعلة.