اخر الاخبار

حين يتحدث الطارئ على العمل السياسي عن الانتخابات، فانه يبدو كتاجر يروج لبضاعة كاسدة، انحسر عنها الزبائن، معتقدا أنه في تخليه عن بدلته القديمة وحصوله على لقب أستاذ من مقدم الفضائية، قد محى أميته الأبجدية والمعرفية، وأصبح له الحق في التحليل وتوزيع الأوصاف والشتائم.

 ومن بركات هذا المتمدن الجديد، هجومه على مقاطعي الانتخابات من القوى المدنية والديمقراطية. فهو يفسر مقاطعتهم بانعدام حضورهم في الشارع العراقي وتوقعهم الفشل، من دون أن يتذكر خروج الملايين من شباب الانتفاضة في عدد كبير من المحافظات ضد فساد الطغمة الحاكمة، التي واجهتها بالتعاون مع الميليشيات (الطرف الثالث) بوحشية.

فالانتفاضة أكدت حقيقة أن قوى المحاصصة لا تمثل الشعب، وكانت أشبه بتصويت شعبي على عدم شرعية الحكم، خصوصا أن المشاركة في انتخابات عام 2018 لم تتجاوز 20 في المائة. وفوق هذا شابها التزوير وتم حرق عدد كبير من صناديق الاقتراع.

 كما أن هذا الدعي، يعرف أنه لولا السلاح المنفلت والدعم الخارجي له، وتغاضي السلطات عن افعاله من اغتيال وخطف، لما كان لجماعته ما لهم اليوم، وهو مثل الامبراطور في قصة الكاتب الدنماركي اندرسن، الذي ظهر عاريا أمام الناس، ظانا أنه يلبس ملابس جديدة، بعد أن خدعه الحائكان المحتالان، وسط صمت حاشيته خوفا من بطشه.

 والشيء المحزن، والذي يثير الكآبة حقا أن يتحكم أمثال هؤلاء بالقرار السياسي ومستقبل الوطن.

 إن مقاطعة الانتخابات جاءت بسبب عدم توفر الشروط الحقيقية لاجرائها بحرية ونزاهة، بدءا من قانون الانتخابات الذي فصل على مقاسات قوى الفساد، وصولا إلى استخدام الأموال المنهوبة والسماح بمشاركة قوى تستخدم السلاح في تنفيذ الاعدامات خارج القضاء. ولهذا لا يتوقع المواطن حصول أي تغيير من واقع المظالم والإهمال الذي يعيش فيه.

إن حركة المجتمع في تغير دائم، ولا يمكن لقوى الفساد أن تظل متحكمة في مصير البلاد والعباد إلى ما لا نهاية. فحجمها الانتخابي الكبير جاء نتيجة  لتحكمها بموارد الدولة ومفاصلها ولشرائها الذمم، وهي حالما يتوقف هذا المصدر ترجع إلى حجمها الطبيعي، وربما تنفجر وتختفي كبالونات حين تثقب بإبرة صغيرة. كما أن وعود قوى الفساد لم تعد تنطلي على المواطن البسيط، لأنه بدأ يعي أنها تكذب وتدلس عليه، وهي تتصارع في حملاتها الانتخابية على تقاسم (الكعكة) وليس لتحسين ظروف العراقيين وتطوير البلاد.

إن لهيب الانتفاضة لم ينطفئ، فالجمر ما زال تحت الرماد، وسترتعد أوصال القوى الحاكمة، لأن كل محاولاتها لتزوير الانتخابات وكل قمعها وإرهابها لا ولن يجدي نفعا في إنهاء الاحتجاجات.

عرض مقالات: