اخر الاخبار

كثيراً ما نقرأ ونسمع عن نساءٍ دخلن التاريخ بأعمالهنّ الكبيرة التي قدمنها للناس والوطن .

 وعن اعتزاز الشعوب وافتخارها بهنّ، وتخليدهنّ بأعمال أدبية وفنية رائعة .

عالية محمد باقر -  اسم قد يظنّه البعض لامرأة عابرة. لكنه اسمٌ لامرأةٍ بصرية شغلت منصب أمين المكتبة المركزية في المحافظة لسنوات. وكانت أمينة بحق، بموقفها الذي يعجز عنه كثيرون ، حيث أنقذتْ تراثاً معرفياً كبيراً إبّان سقوط النظام المقبور واحتلال العراق.

 والقصة كما سمعتها منها شخصياً قائلة: عندما اقتربت القوّات البريطانية من البصرة ورغم قعودي في البيت، كنت قلقة جدا وأفكّر بشكل كبير في المكتبة المركزية التي اشغل منصب أمينتها، كونها تضمّ عشرات الآلاف من الكتب والمخطوطات النادرة جدا. وحالما رأيت النهب والحرق في الأبنية الحكومية عند دخول القوات مدينة البصرة سارعت إلى بناية المكتبة واستنجدت بجيراني وعمّال المطاعم المجاورة وتحديداً مطعم حمدان ، حيث قمنا بنقل ما نستطيع حمله في أسرع وقت. وبينما نحن ننقل الكتب والمخطوطات سقطت قذيفة قرب المطعم فاحترق جزء من واجهته ، لكننا واصلنا نقل الكتب وإنقاذها من الحرق ، وكنت أنقلها ودموعي تغسل وجهي. واستطعنا نقل أكثر من 30000 كتاب ومخطوطة. وما إن أودعت القسم الأكبر في مخزن المطعم وأخذت ما استطعت منها معي إلى البيت ، حتى ارتحتُ قليلاً رغم قلقي وأساي على ما فُقِدَ حرقاً !!

هذه السيدة الجليلة وبعد استقرار الوضع نسبياً أعادت الكتب والمخطوطات إلى أماكنها والحياة إلى المكتبة، واعادت فتح أبوابها للباحثين والأدباء والقرّاء.

كُتِبَت عن بطولتها هذه قصّة مصوّرة باللغة الانكليزية ونشرت في كتاب صدر عام 2003 في أمريكا، كما تمّ إنتاجها كفيلمٍ كارتونيٍّ هناك، يحكي بطولة امرأة عراقية أنقذت تراث مدينتها من الحرق يوم كان البعض ينهب ويحرق بلا وعي ولا ضمير. كذلك كُرّمَتْ من قبل زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك في حفل أقيم على شرف بطولتها الفذّة في القاهرة !!

لكنّها لم تُكَرّمْ في بلدها رسميا للأسف الشديد، ووحده وزير الثقافة الاول مفيد الجزائري زارها في المكتبة سنة 2004 – وكان في زيارة عمل الى البصرة – وشكرها باسم الوزارة واشاد بمأثرتها.

أُحيلت السيدة عالية على التقاعد قبل بضع سنوات لتقبع في بيتها دون أن يتذكّرها أحد، سوى بعض الباحثين والأدباء والمثقفين الذين ظلّوا على تواصل معها !

ورحلت عن دنيانا قبل أسبوعين حاملة معها حيرتها وقلقها على بلدٍ تناهبته رياح الفساد والمحسوبية والطائفية والمحاصصة المقيتة.

ولأجل أن نكون منصفين بعض الشيء ازاءها اقترحُ إقامة تمثالٍ نصفيٍّ لها يوضع في الحديقة الأمامية للمكتبة المركزية في البصرة، وإنتاج فيلم أو مسلسل يحكي قصة دورها في حفظ تراثنا المعرفي كي تعرف الأجيال القادمة عنها شيئاً. فهي بطولة في زمنٍ ندر فيه مثل هذه البطولات وهذا التفاني!

عرض مقالات: