اخر الاخبار

بعد عشرين سنة من هزيمتها عادت طالبان لتحكم أفغانستان، إثر انسحاب القوات الامريكية تنفيذا لاتفاق الدوحة في شباط ٢٠٢٠ والذي قرر  الرئيس جو بايدن الالتزام به وتنفيذه ،وهو بدوره اعلن ان بلاده لم تكن تريد إقامة ديمقراطية عصرية في أفغانستان ولا حتى بناء دولة، وانما هي تدخلت  لمنع التهديد للامن القومي الأمريكي!؟ وهذا مخالف بالطبع لما اعلن وقتها، عندما تدخلت أمريكا وغيرها في هذا البلد، الذي ما زال شعبه يدفع  الفاتورة الباهظة الثمن . 

وبالنسبة الى أمريكا وبقية دول التحالف، جرى اختزال المهمة الآن الى مجرد تأمين  مطار كابول، وضمان اجلاء الأمريكيين وغيرهم! وهكذا انتهى عشرون عاما  من التدخل الفظ في كل شيء، انتهت بهذه الصورة التي هي هزيمة مجلجلة بكل المقاييس ؛ هزيمة سياسية، ، وهزيمة على الصعيد العسكري ولسياسة  التدخل العسكري المباشر “ وتغيير الأنظمة “ بالقوة    .

ولم تكن هذه اول مرة تتخلى فيها أمريكا عمن قالت انها جاءت لمساعدتهم وإعانتهم. فالتاريخ حافل بالكثير من الأمثلة الاخرى ، بما فيها مثال بلدنا الذي تدخلت في شؤونه مرات ومرات، وما زالت تفعل هي وغيرها.

هنا تقدمت وتتقدم مصالح الامريكان على كل شيء آخر، وهم لا يخفون ذلك وكان بايدن واضحا في التشديد عليه.

وكدرس يضاف الى ما سبقه في تجارب المتعاملين مع الأمريكيين، نشير الى ان الإدارات الامريكية بمختلف عناوينها، جمهورية كانت ام ديمقراطية، لم يمكن يوما ولا يمكن اعتبارها من الحلفاء الدائمين، وأخذ تصريحاتها مأخذ الجد، والاطمئنان الى مواقفها، والاعتماد عليها. وهنا أيضا يتوجب ان نذكّر بتصريحات ترامب، وكيف تعامل مع السعودية ودول الخليج، وهو القائل ان توفير الامن لهذه الدول لا بد ان يكون مقابل ثمن، وقد اعلن بصلافة انه قبض الثمن فعلا!

من جانب آخر اثارت التطورات الأخيرة في أفغانستان مجددا، قضية الجيوش والقوى الأمنية التي تُدرب وتُسلح جيدا، لكنها تنهار في غمضة عين . وقد حصل هذا في أفغانستان وفي بلدنا العراق كما  في بلدان أخرى.

وفي هذا الصدد تثار تساؤلات مختلفة: فمن المسؤول هنا؟ هل هم الافراد الذين يغلب اختيارهم  لهذه  الوظيفة لمجرد تأمين حصولهم على الراتب؟ أم هم القادة المسؤولون؟ ام هؤلاء واولئك معا؟ كذلك: ما دور الأنظمة والقيادات السياسية في هذا المجال، وما مدى توفر الإرادة والحزم لديها؟

وهناك الكثير من المراقبين الذين يتحدثون ايضا عن غياب إرادة القتال والعقيدة الوطنية لدى الجيوش والقوى الأمنية حديثة التشكيل، إضافة الى عوامل الفساد والارتشاء وعدم وضع  الشخص المناسب في المكان المناسب ، وتسييس هذه المؤسسات.

تقول التجربة انه لا غنى عن بناء قوات وطنية تلتزم بعقيدة الولاء للوطن أولا وقبل كل شيء، وتتحلى بها، بعيدا عن التخندقات الطائفية والقومية والعرقية والدينية والمذهبية. وهو ما يتوجب ان ينعم به بلدنا أيضا.

فالاولوية هي للاعتماد على مثل هذه القوى، وليست على جماعات مسلحة تحتكم بقراراتها الى عناوين سياسية او فرعية، والانكى إن تضع نفسها في خدمة اجندات خارجية غير تلك المعنية بالبلد ومواطنيه، بل ويمكن ان تتقاطع معها.

ان ما حصل ويحصل اليوم في أفغانستان يدلل بقوة على ان لا رهان على قوى من خارج الحدود، خاصة حين يوضع في الحساب قول السياسي البريطاني اللورد بالمرستون  : لا توجد عداوة دائمة أو صداقة دائمة، هناك مصالح دائمة.

عرض مقالات: