اخر الاخبار

قبل نصف قرن من الزمان، هزتّ فضاءات ملعب الشعب، وربما بغداد كلها، هتافات مدوية "لبنان قوة صامدة موتو يا رجعية، شعب جيش مقاومة وأحزاب ثورية"، تضامناً مع الشعب الشقيق الذي شرع البعض من قوات الردع العربية حينها بذبحه بدلاً من حمايته.

كان الناس مجتمعين تحت راية عراقية خالصة، لا يعرف أحدهم الآخر إلّا بها، فلم نكن حينها قد صرنا دولة مكونات. آلاف من الشبيبة، وفي الصميم منهم الشيوعيون، تشع وطنية وأممية، تجمع التبرعات وتتطوع للفداء، رغم العسس البعثفاشي الذي كان يترصدهم في كل مكان. ولم نكن ننفرد، نحن العراقيين بذلك، بل تكررت هذه المشاهد في أغلب العواصم العربية.

وكانت الملحمة زاهية في لبنان، شعب يقاوم ببسالة مذهلة، ليس الصهاينة ولا اليمين المحلي المتحالف معها فحسب، بل قوى الإمبريالية العالمية المساندة لها أيضاً، ليسقط مشروعاً، جاهّر هذا اليمين بشعاراته، وراح يطبق مفرداته، عسى أن يخلو لبنان من الشيوعية والعروبة والمقاومة الفلسطينية، فزوّر الانتخابات التشريعية والمهنية (يبتدأون عادة بالنقابات واتحادات الطلبة)، واعتدى على نشطاء اليسار ولاحقهم، قبل أن يتدخل المكتب الثاني (الأمن)، الذي افتضحت لاحقاً علاقته بالسفارة الأمريكية، ويشن إرهاباً يستكمل فيه جرائمه البشعة، مذ إذابة القائد الشيوعي الشهيد فرج الله الحلو بالتيزاب، فيما كان الصهاينة يتابعون تنفيذ المشروع ويتدخلون عند الحاجة لإدامته.

كانت القوى الوطنية الرافضة للنظام الطائفي والمؤمنة بالحل السلمي البرلماني قد شاركت بالانتخابات واحترمت القانون، لكنها أضطرت للتسلح دفاعاً عن النفس، بعد أن باتت تفاصيل المشروع واضحة باشتعال الحرب الأهلية. وقبل أن تتمكن وبدعم من المقاومة الفلسطينية من إجهاض المؤامرة، تدخلت قوات العدو الإسرائيلي فاجتاحت البلاد مراراً حتى إحتلتها تماماً في عام 1982، والذي شهد شهر أيلول منه ولادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، بمبادرة من الحزب الشيوعي اللبناني ومشاركة جميع أطياف اليسار الأخرى، تلك الجبهة التي مثلت ضمير لبنان والعرب في مقاومة الصهاينة وقدمت عشرات الشهداء في معاركها البطولية ضد الإحتلال.

ورغم تفكك هذا التحالف المقاوم لاحقاً، لأسباب موضوعية وذاتية، كتدخل وهيمنة دول الإقليم وعدم قدرة الحركة الوطنية على بلورة مشروع اقتصادي اجتماعي بديل للنظام الطائفي وتفكك التعايش والتعاون بينها وبين الحركة الإسلامية والترابط المريب بين الطائفة والطبقة، وتجلياته في الواقع العملي، فقد بقي الشيوعيون وأغلبية اليساريين، داعمين ومساهمين، في المقاومة اللبنانية حتى الساعة، رغم إن هناك من يتناسى الإشارة لدورهم هذا.

واليوم، إذ حولت حكومة نتنياهو الفاشية جنوب لبنان وأجزاء من بيروت لخرائب، استكمالاً لجرائمها في غزة، ودفنت تحت أنقاضها أطفالنا، كي لا يزعج أنين جوعهم أساطين العولمة أو يخرب مرحهم "حضارتها" العريقة، وإذ تزداد التضحيات الغوالي ويعّم عواصم القرار صمت القبور ويصيب البعض وهن التردد، تبقى تنبض في قلوب الشيوعيين العراقيين، ذات الشعارات التي هزّت ملعب الشعب، فيرفعون راية التضامن مع الشعب اللبناني وقواه الوطنية والإسلامية المقاومة في خنادق التصدي الباسلة، معربين عن دعمهم وإسنادهم لكفاح الأشقاء، وفي طليعتهم الشيوعيون، من أجل دحر العدوان وإنجاز مهام التحرر من الإحتلال الإسرائيلي والهيمنة الإمبريالية، وتحقيق التغير في بنية علاقات الإنتاج الرأسمالية التبعية، ومن أجل تجاوز الانقسام الطائفي والعرقي والهويات الفرعية لصالح هوية وطنية جامعة، تتعايش تحت ظلها، وبتسامح ديمقراطي، الأسلمة والعلمنة والعروبة والوطنية والماركسية، وتتنافس سلمياً لتنمية البلاد وإسعاد العباد، فبذلك وحده سيُّبنى لبنان الحرّ والديمقراطي، وبهذا فقط يكون دعم الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه واقامة دولته مجدياً، إن هذا أهم اشتراطات الظفر.

 

عرض مقالات: