اخر الاخبار

ليس بعيدا عن الحقيقة اعتبارُ بعض المراقبين والمتابعين أداءَ مجلس النواب الحالي، بانه من بين الاضعف حتى الآن. ويتعلق الحديث بدور المجلس بجانبيه التشريعي والرقابي، خصوصا الأخير الذي تميز بضعف شديد، وبدا عدد كبير من أعضاء المجلس وكأنهم غير مكترثين بفضائح الفساد التي تتكشف واحدة بعد أخرى ، وهو ما يقر به عدد منهم في تصريحات موثقة لهم .

مجلس النواب كغيره من السلطات الرسمية للدولة يتحمل هو أيضا المسؤولية عما تعاني منه البلاد، من أزمات عامة متكررة، بل هو يسهم في صب الزيت على النار بتشريعه بعض القوانين المثيرة للجدل، والتي تفرض بإرادة الأغلبية، وهي ليست اغلبية سياسية، بل اغلبية من يدّعون تمثيل المكون او الطائفة. وهذه الأغلبية تبلورت في سياق الخلل الحاصل في تركيبة البرلمان بعد انسحاب الكتلة الفائزة، وتزحيف غير الفائزين في الانتخابات وجعلهم نوابا، وهو ما لم يحصل في أيّ برلمان في العالم على حد ما يتوفر من معلومات.

واذا كانت الحكومة الحالية لا تختلف عن الحكومات السابقة لجهة تشكيلها وفق المنهج ذاته وآليات المحاصصة الطائفية والاثنية نفسها، وهو ما انعكس جليا في  إدائها وفي فرض القيود على مرونة عملها، فان تركيبة مجلس النواب الراهنة سمحت الى حدود كبيرة باتخاذ قرارات فيها ليّ  اذرع جراء هيمنة اطراف  متنفذة معينة، فيما مررت أخرى على وفق التخادم المحاصصاتي.

وامام كل التحديات التي تواجه بلدنا، فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد له، وهو ما عكس حجم الصراعات والتجاذبات بين الكتل المهيمنة الان على المجلس، وعكس من جانب آخر المأزق السياسي الذي دُفعت اليه بلادنا. وبعد المواقف الأخيرة في المجلس يمكن القول الآن وباطمئنان، ان بعض القوى تعتبر عدم انتخاب رئيس جديد مناسبا لها، رغم التصريحات التي تُبدي فيها حرصا على انجاز هذا الاستحقاق . وتجلى هذا الواقع مؤخرا في الانحياز الكامل للرئاسة بالإنابة، بوقوفها الى جانب المطالبين بتعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، وعدم تعاملها مع طلب يحمل توقيع ١٢٤ نائبا برفع القراءة الثانية للتعديل من  جدول جلسة مجلس النواب، فيما قبلت طلبا من “المعدلين” يحمل مائة توقيع!

وفيما جرى الإسراع والهرولة لمناقشة وإقرار بعض القوانين موضع الجدل والشك بجدواها في هذه الظروف، لوحظت حالة من التسويف والمماطلة في تشريع قوانين تهم المواطنين جميعا، وتنصفهم  وتصون حرية التعبير وتضمن حقوق الانسان وتعزز اللحمة الوطنية وتُعلي من شأن مبدأ المواطنة العراقية الجامعة.

أشّرنا اعلاه بعض جوانب القصور والخلل في عمل مجلس النواب وأدائه.  وبسبب من تركيبة المجلس وهيمنة اطراف متنفذة، ومنهجها في إدارة الدولة واعتبارها غنيمة، وسلوكها الاقصائي، رغم الادعاء بغير ذلك، كل هذا وغيره لا يولد الاطمئنان بان هذا المجلس يمكن ان يقدم على شيءٍ مفيد للمواطن والوطن. بل ان كل المؤشرات، خاصة ما رافق تقديم التعديلات على قانون ١٨٨، من ضيق بالآخر المختلف، ومسعىً لتقييد الرأي وحرية التعبير والاحتجاج، تشي بإمكانية حصول الاسوأ ، بالتخلي عن مدنية الدولة التي يقول بها الدستور ، وفرض قيود “ قندهارية “.

وهذا يطرح السؤال عن الحل؟

نحن نرى انه تتوجب تنمية كل الوسائل السلمية لرفض هذا الواقع وعدم الخضوع والاستسلام له، بما في ذلك التوجه الجاد والمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة، سواء جاءت مبكرة ام حصلت في وقتها، وفي جميع الأحوال ما هي الا أشهر معدودات. وهنا يتوجب العمل بدأب  على ان تكون تلك الانتخابات احدى روافع التغيير حقا، وان تتعشق مع سائر الوسائل النضالية الاخرى. ولا شك ان تحقيق ذلك يتطلب فرض اصلاح شامل للمنظومة الانتخابية، لضمان عدالة الانتخابات ونزاهتها وصدقيتها.