وأنا انظرُ الفرحَ في عينَي لاعبة ذوي الاحتياجات الخاصة نجلة عماد، وهي تتوّج بالذهب في لعبة التنس ضمن البطولة البارالمبية العالمية، رأيت خارطة العراق الزاهية بكلّ ما تحمله من تأريخ وإرث عبر آلاف السنين، ارتسمت صورة كلكامش ونبوخذ نصّر وآشور بانيبال وصولاً الى الابطال الذي روّت دماؤهم أرض الوطن وهم يسجّلون أبهى وأروع اساطير الصمود والنضال ضد الطغاة والمستبدّين والإرهابيين والفاسدين في كل زمان !
نجلة عماد الفتاة التي فُجعت بعائلتها اثر حادثٍ ارهابيٍّ جبان، وفقدت ساقيها واحدى يديها لتبدأ حكاية الصراع مع الحياة في بلدٍ كل ما نملكه فيه هو حبّ ترابه ومائه وهوائه، حيث سرق الفاسدون ومن سار في ركبهم كلّ شيء حتى الفرح ، ليعيش الناس في حلمٍ يبحثون عن لحظة فرحٍ مهما كان شكلها !!
رغم الفاقة والعوز والأوجاع والدموع صنعنا وطناً يليق بنا حتى وان كان في الحلم، ترقرقت الدموع في مآقينا وبكينا فرحاً ونحن نشاهد نجلة، هذه الفتاة الرائعة التي تسير على ساقين اصطناعيين وبكفٍ واحدة وهي ترفع العلم العراقي متوّجة بالذهب في بطولة عالمية كبيرة ، لتعيد الى اذهاننا بطلنا الأولمبي عبدالواحد عزيز حين رفع العلم العراقي عالياً في أولمبياد عام 1960 وهو يحصل على البرونز، ليكون أول وآخر بطل عراقي يحصل على وسام أولمبي، حتى هذا الإنجاز الرائع لنجلة عماد.
نجلة عماد بإرادتها القوية استطاعت أن تملك الخافقين وترفع علم وطننا عالياً، لتسجّل اسم العراق بالذهب خالداً في تاريخ البطولات القادمة، خلافاً لما جرّه الطغاة والفاسدون واللصوص والعملاء على العراق من ويلات وحروب وموت وخراب وازمات، تتوالد كل يوم لينشغل الناس بها عما "يبدعه" الفاسدون من فساد أزكمت رائحته انوف الناس جميعاً !!
ولنقف دقيقةً ونتأمل كل السنوات التي مرّت على وطننا ، والأحلام التي كنّا نتمنّى تحقيقها بعد رحيل الطاغية المقبور، قبل وبعد ذلك ونتساءل في انفسنا : ما الذي حقّقه أولئك وهؤلاء للوطن غير الموت والدمار والخراب؟ في زمن المقبور كانت الحياة حروباً وخوفاً ومطاردات واعتقالات وسجون واعدامات وحصار وما الى ذلك ، وحينما سقط غير مأسوف عليه وجاء هؤلاء كنّا نمنّي أنفسنا بحياة سعيدة وعيش رغيد وأفراح، لكنّهم أثاروا النعرات الطائفية واشتعلت الرؤوس شيباً من هول الفساد وافتعال الازمات وتردّي كل شيء، حتى وصل الامر الى التنابز والاتهامات ما بينهم لتفوح رائحة الخراب الذي اصطنعوه، ويعرف الناس هول الفساد الذي يعيث في البلاد ، وللأسف بعض هؤلاء الناس لا يزالون يصدّقونهم رغم كل شيء !!
الوطن الذي فيه فتاة مثل نجلة عماد، تملك من الارادة ما يعجز عن حملها أعتى الرجال، لن يموت أبداً، وسينهض كالعنقاء من تحت رماد هذا الخراب ويملأ الكون فرحاً !!
الوطن الذي أنجب مناضلين صلبين وقفوا بوجه اقسى الجلّادين وسجّلوا اساطير في الصمود والبسالة، كسلام عادل ورفاقه الاماجد، لن يموت ابداً وسيفتح نوافذ للسعادة وتحقيق الاحلام كلّها !!