تثير مشاريع القوانين التي تقدم هذه الأيام الى مجلس النواب بهدف تشريعها، الكثير من القلق ويشمل هذا حتى جداول موازنة ٢٠٢٤، والتي آقرها مجلس النواب وصادق عليها رئيس الجمهورية ، ليتفاجأ المواطنون بوجود مشكلة فيها، وان الحكومة ارجعتها لهذا السبب الى مجلس النواب . وذكرت المعلومات ان الفرق بينها وبين الجداول التي خرجت من معطف مجلس النواب يصل الى ١٥ ترليون دينار. وهذا مبلغ ليس بالقليل ولم نسمع بعد عن مصيره، فيما ترد مصادر مجلس النواب قائلة ان الجداول المرسلة من الحكومة هي عينها التي أُقرت!
فهل حصل تلاعب؟ وأين؟ ومن المسؤول عنه ان وجد، حتى وصل الى موازنة الدولة ؟
الصمت هو سيد الموقف، وبانتظار انتهاء التراشق بين الجانبين الحاكمين ، تشريعا وتنفيذا .
الأمر الآخر يتعلق بالمفاجآت التي جاء بها قانون العطلات وقد ضُمّن عطلا ومناسبات عديدة بعد ان جرى التوسع في ذلك، علما ان بعضها موضع جدل على نطاق واسع، فيما الأيام او المناسبات ذات الطابع الوطني الجامع ، فقد تم الغاؤها، ومنها يوم ١٤ تموز، وبذرائع ومبررات واهية لا تصمد امام الجدل الموضوعي.
ويبدو ان هذا القرار المجحف اتُخذ بموقف واضح وإصرار مسبق، وهو ليس ببعيد عن توجه معين، لتكريس الفرعيات وطمس معالم أي بعد وطني يؤشر الى فعل نضالي، من شانه ان يكون حافزا لتوعية وإلهام وتعزيز الثقة عند المواطنين، من ان بإمكانهم ان يفعلوا شيئا بإرادتهم.
فثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ التي جرى شطبها في القانون بناء على مشروع الحكومة، ما كانت الا تتويجا لنضالات ووثبات وانتفاضات وتضحيات جسام ، تكللت بهذا الانتصار الكبير الذي حمل قبل كل شيء ابعادا وطنية لا احد يستطيع إنكارها. لكن البعض المتنكر ربما يحمل تصورا او مفهوما جديدا للوطنية، غير الذي جاءت به الثورة المجيدة! ويبدو ان هذا التصور الخاطيء المتجسد في خطوات بيّنة، هو الذي يفسح في المجال واسعا لمختلف التدخلات في شؤون وطننا، ويثلم السيادة الوطنية ويصادر القرار الوطني المستقل .
وثالثة الأثافي هي ما عرض على مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي من نائب واحد، بعكس المعتاد بان تقدم المقترحات من عشرة نواب، وان تحظى بالنقاش على الأقل في اللجان الممتخصصة التي لها علاقة بالموضوع، وهو ما لم يحصل.
ولا نعرف ان كان هذا النائب مخولا حقا بالحديث عن موقف المرجعية العليا الكريمة، أم لا؟ فاوساط المرجعية كررت في العلن، ان المرجعية سدت أبوابها امام السياسيين، فهل تُراها فتحتها لهذا النائب كي ينطق باسمها؟ أسئلة تبحث عن إجابات .
ان هذه التعديلات يراد اقحامها على قانون الأحوال الشخصية النافذ من ٦٥ سنة. وعن هذا القانون الساري يقول قانونيون ومتابعون، انه من افضل قوانين الاحوال الشخصية في بلداننا العربية، ويؤكدون انه «خلال سنوات العمل بالقانون لم تظهر أية إشكالية شرعية في الاحكام التي أصدرها القضاء « .
كل هذه المزايا موجودة في القانون من الناحيتين الشرعية والقانونية، فلماذا اذن يراد تعديله بعد محاولات سابقة عدة، احبطها الرفض الواسع. وهو الذي فرض رفعها من جدول عمل مجلس النواب في هذه المرة، على أمل ان تحبط أيضا ومرة والى الابد، عبر حراك واسع حريص على احترام المرأة وحقوقها، وحماية الاسرة العراقية، وتطبيق لائحة حقوق الانسان، وتمتين الوحدة الوطنية، ومنع حصول المزيد من التخندقات الطائفية والانغلاقات المذهبية. لكن البعض يعيد محاولاته ، وكأن الشعب العراقي باطيافه المختلف لم يعان الويلات من سياساتهم العرجاء، ومن حفرهم الهوّة بعد الهوّة بين أبناء البلد الواحد .
متى يدرك هذ البعض، هذا المغترّ بأغلبية كتله المتنفذة في دورة مجلس النواب الحالية، بان شعبنا بحاجة الى قوانين أخرى مختلفة تماما، قوانين تعزز وحدته ونسيجه الاجتماعي، ولا تفككهما؟ .
وبعد، فمن الواجب التحذير من الامعان في المساومات والتخادم وسياسة غضّ الطرف، من اجل منافع ومكاسب ضيقة، فهذه اضرت كثيرا بالمواطن والوطن، وليس الإصرار عليها سوى الخطيئة بعينها .