في اجتماعه يوم الثلاثاء الثامن من اذار 2016، قرر مجلس الوزراء موافقته على مقترح وزارة التخطيط المتعلق بضوابط توزيع المساكن الاقتصادية والأكشاك على الفقراء، لغرض دعم المواطنين في الحصول على وحدات سكنية والمساهمة في حل مشكلة السكن، وبالتواتر مع هذا القرار فقد صادق رئيس الوزراء في السنة ذاتها على آليات إقراض صندوق الإسكان الخاصة بقروض البنك المركزي البالغة خمسة تريليون دينار عراقي، ومعايير الاقراض.
وبالاطلاع على تفاصيل القرار والتوصيات فمن الإنصاف النظر إلى ذلك القرار بمنظور إيجابي باعتباره خطوة على طريق حل أزمة السكن الخانقة والتي تفاقمت في العقود الثلاثة الاخيرة بشكل أدى إلى تفجر أزمة اجتماعية أثقلت كاهل المواطنين وكتمت أنفاسهم، غير أن السؤال الملح ما هو حجم هذا الإنجاز إذا أخذنا بعين الاعتبار الأزمة المالية الخانقة والأفق المجهول للاقتصاد العراقي بغياب استراتيجية تنموية واضحة. فإذا أخذنا بالاعتبار تقديرات خطة التنمية الاقتصادية للسنوات 2010 – 2014 التي تشير إلى أن العراق بحاجة إلى 2,800 مليون وحدة سكنية، أو إذا اعتمدنا فرضية استراتيجية التنمية الاقتصادية للاعوام 2007—2010 التي قدرت الحاجة إلى النهوض بقطاع التشييد نحو 62 تريليون دينار عراقي اي بنسبة 27,7 بالمائة من إجمالي الإنفاق الاستثماري الكلي لمجمل القطاعات البالغ 187 مليار دولار مما يدلل على عظم مشكلة السكن في العراق، لوجدنا أن الاجراءات المتخذة لحد الآن ليست سوى خطوة وليست حلا شاملا لمشكلة أخذت دهورا من الزمن . كما أن الدولة وهي المكلفة دستوريا بموجب المادة 30 / ثانيا من الدستور من بين التزامات عديدة توفير السكن، فإذا افترضنا في كل ذلك، أن عملية الإقراض ستتم بسلاسة وبشفافية دون أن تلتف عليها المافيات المعششة بكل مفاصل الدولة العراقية ولكنها بدون أن تكون أجهزة الرقابة حاضرة وجادة بتمام يقضتها وحرفيتها في كافة المراحل الاجرائية التي يتم بها الاقراض، خاصة وأن لدينا من تجارب لجان الكشف العقاري ما يدعونا للشك بتلك اللجان التي ستجري كشوفاتها ضمن هذا القرض وغيره من القروض التي تمنحها المصارف الأخرى المتخصصة وبالتالي فان كل ما خطط له سيذهب مع الريح.
إننا نعتقد أن الفجوة كبيرة بين الطلب على الوحدات السكنية من شرائح المجتمع الراقدة تحت خط الفقر أو حوله او حتى الطبقة المتوسطة وبين قرار المجلس وآليات الإقراض سواء كانت الوحدات السكنية الاقتصادية كما سماه القرار أو الأشكال الأخرى من الوحدات التي ظهرت بعد سنوات على شكل شواهق شيدت عن طريق غسيل الأموال المنهوبة من أموال الدولة، وبين ما يمكن أن توفره الدولة سواء بموجب قرار المجلس او تعليمات الإقراض من جهة اخرى، لهذا نعتقد أن التعامل الجذري مع إشكالية السكن تتطلب الانطلاق من مشروع استراتيجي على المستويات القصيرة والمتوسطة والطويلة وعدم اختزالها بقرارات جزئية لا تؤدي إلى معالجة المشكلة بل تراكمها وتعمق من الأزمة في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية معقدة مقترحين ما يلي :
- اتباع سياسة إسكانية تجمع بين مشاريع إسكانية تمولها الدولة للفئات واطئة الدخل والتركيز على بناء المجمعات السكنية ذات النمط العمودي وتفعيل دور القطاع الخاص في هذه السياسة عن طريق الاستثمار بالاعتماد على التمويل الحكومي والمصارف الاهلية وإعادة بناء الجهاز المصرفي بعيدا عن المضاربات.
- تفعيل قطاع البناء والتشييد عبر إعداد دراسات هندسية مستفيضة ومسح شامل وتحديد الأماكن المناسبة للبناء وتوفير الخدمات الأساسية والاستفادة من الخبرات المحلية والأجنبية في تحديد المواصفات التكنولوجية اللازمة في التصميم.
- دراسة المشاكل التي يعاني منها قطاع الصناعة الخاص بمواد البناء الأساسية كالإسمنت والحديد والطابوق وحماية هذه الصناعة من المنافسة الأجنبية وتاهيل مصانع الحديد والصلب وتحديثها تكنولوجيا.
- معالجة مشكلة التمويل التي تمثل أكبر التحديات، عن طريق إيجاد مخارج واقعية من خلال القروض طويلة الأجل تمتد لمدة 30 سنة وتفعيل دور المصرف العقاري وصندوق الإسكان وتنشيط دور القطاع التعاوني والمختلط.