اخر الاخبار

أول امس مرّت ذكرى ثورة 14 تموز الخالدة ، وهاجت معها الذكريات،

عندما كنتُ صغيراً ،، كنتُ اقف مندهشاً أمام صورةٍ بين طائرَي طاووس تزيّن زجاج أبواب (محْمَل) زوجة ابي ــ المحمل يشبه المكتبة الصغيرة لكنّه يضمُّ بداخله (الصحون والكؤوس وكلّ الزجاجيات التي يحتاجها المطبخ) ــ كذلك كانت بعض الصحون قد نُقشت بداخلها تلك الصورة ،، كان ذلك في سيتينيات القرن الماضي وسبعينياته ، كنتُ أحدّق في الصورة كثيراً، لم يخبرني في البداية ايٌّ من أهلي هذه الصورة لِمَنْ، الطاووسان يقفان على غصنين متقابلين والصورة التي بينهماغُطّيَ وجهها بالصبغ لأنّ المحملَ موضوعٌ في الغرفة ومعروض للناظرين ، أمّا الصحون فالصورة فيها على حالها ( رجلٌ بزيٍّ عسكري  وعينين متّقدتين تنظران الى الأفق )، ذات مرة سألتُ أمي :- لِمَنْ هذه الصورة ؟؟!! أطرقتْ قليلاً وقالت :-  لاتسأل ثانيةً ، أخذني الفضول الى أبي فسألته وألححتُ كثيراً،أجابني  :-  يابني إنّها لرجلٍ أحبَّهُ الفقراءُ لأنّه كان منهم وإليهم ، غيّر تاريخ العراق من الحكم الملكي الى الجمهوري، أصدر قوانين خدمت الشعب وما يزال الشعب يتنعّم بها لولا الحكومات التي جاءت بعده بدمويتها وفسادها ، لم يمتلك بيتاً ولا مالاً ولاعقاراتٍ او مولات او مدن سكنية او أرصدةً في البنوك العالمية ، بنى بيوتاً ، بل أحياءً للفقراء المعوزين ومنحَ الفلّاحين حقوقهم المغدورة .. تحدّث أبي كثيراً وخلال حديثه كنت أبصرُ دمعتين تتلألئان على خدّيه. قلت له :- أين هو الآن ، ولماذا صورته التي في واجهة (المحْمل) مصبوغة ؟؟!! قال :- يابني قتله الذين لايخافون الله ، ولايريدون لهذا الشعب وهذا الوطن خيراً. كانت أمّي تُصغي لحديثنا فاعترضت حديث أبي قائلةً : لم يمت، بل ذهب الى مكانٍ ما،  الناس تقول في القمر ساكن ويرون صورته كلّما صار القمر بدراً ، وقد صبغنا الصورةَ لأنّ الظالمين يقتلون ويعتقلون كلّ من يحتفظ بها في بيته.

 مرّت الأيام والسنين وظلّت الصورة وصاحبها يسكنان قلبي ، كما كانت في قلب ابي وامي وزوجة ابي والآخرين ، بل وتسكن القمر. إنّه الزعيم الشهيد والعراقي الأصيل عبدالكريم قاسم ، مَنْ يحبُّ الناسَ ويُخلصُ لهم سيبقى خالداً مهما تبدّلت الظروف واشتبكت المحن ودارت السنون !!

الشهيد عبدالكريم قاسم لم يكن رئيساً لوزراء العراق ، بل كان خادماً وبانياً وأباً حانياً عطوفاً ورحيما، بنى البيوت للفقراء وسنَّ القوانين التي تخدم الناس جميعا ، لهذا ظلَّ وسيظلُّ خالداً في ضمائرهم وعقولهم وحواسهم، مهما حاول الحاقدون والفاسدون الفاشلون !

أتمنّى  ان يعي درسه الآخرون ويأخذوا  من شِيَمِهِ ولو القليل !

لك الرحمة والخلود ايّها العراقي النبيل ، وما أحْوَجَنا اليوم الى أمثالك !!

عرض مقالات: