طالما شغلنا موضوع الهوية الوطنية وما نواجه من تحديات عميقة للإبقاء على بعض سماتها الايجابية، التي من شأنها الحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي بما يميزنا عن باقي شعوب الأرض.
وأخيرا أثير الموضوع بطريقة علمية لافتة عبر محاضرة لمنبر ( حوارالتنوير) الرقمي، قدمها الدكتور سلام العبادي بعنوان” الهوية وصورة الآخر” وبمشاركة عدد كبير من الباحثين الاجتماعين ومن مختلف الاختصاصات الاخرى.
ولعل أبرز ما جاء في المحاضرة أن الهوية أصبحت ديناميّة غير مستقرة وتتغير زمانا ومكانا بفعل العولمة، وان ما بين التغيير والثبات تتشكل أزمة حادة بفعل أدوات التغيير الكثيرة والمتنوعة. فالتغيرات التقنية جعلت العالم أرضا وثقافة بلا حدود.
هذا المفهوم الحديث شكل واقعا جديدا ضرب كل شيء، بل وشكك حتى بانتماءاتنا!.. من جانب آخر طُرح السؤال التالي: ترى لماذا تقود بعض الهويات العالم دون غيرها، بعدما غيرت وجهات النظر حول الثوابت التي نؤمن بها؟!
هناك من يذكر أن العولمة كشفت عن “ وهم” الهوية، وهي غير موجودة أصلا، بل تشكلت اجتماعيا فقط.. مثلما لا وجود لمستوى ثقافي ثابت ، إنما هو متغير . ولذا لابد لنا من التفاعل مع المنجز الحضاري الجديد ولا سبيل غير ذلك.
من هنا فأن الثقافة ليست نشاطا فكريا حسب ، بل هي مجموعة نشاطات ثقافية اجتماعية وفردية، وأن الإنسانية لا بد من أن تحمل شيئا من الخصوصية ، أي ان هناك تداخلا حميما بين العالمي والخاص المحلي، وأن حصيلة العلم مصدرها الذاتي ، وهذه الحصيلة أفعال تكررها الجماعة.
كما يُطرح سؤال آخر حول إمكانية الوصول إلى ثقافة عالمية واحدة؟ والجواب هو أن الثقافة لا تُعولم بل هي مستمدة من الاقتصاد ، وإنها باقية طالما بقيت الفروق البشرية.
هناك من يدعي أن الطريق نحو الحداثة يمر عبر التخلي عن الهوية. وهذا وفق رأي “ الحداثيين”. في المقابل يدعي آخرون أن ما يحدث هو اختراق للبنية المحلية ويشكل تفاقما للغزو الثقافي، ومحوا للهوية القومية والدينية وفق نظرية المؤامرة ..
في العموم الهوية لا تعني الثقافة حسب، بل تخضع للشروط السياسية والجيوسياسية والاقتصادية، و ليست لها خصائص ثابتة بل متحولة ومتشظية ، وأن الإنسان ضائع اليوم بين وعي فردي ومنظومة فكرية من المفاهيم الجديدة التي ليس لها داعم تاريخي ، بل أن أكثر الهويات أصالة يجب أن تخضع لنوع من التحديث ، ولا توجد مناطق معزولة دون الأخرى. وقد تطلب هذا المفهوم إعادة إنتاج كم من الموروث الثقافي، مع التأكيد على الثقافة الفرعية عن الجماعية بعيدا عن الشعور الوطني كرد فعل مقابل. كما تراجعت المصلحة المشتركة أمام تنميط الاستهلاك، حتى أن بعض المجموعات أصبحت مرشحة للانسلاخ عن هويتها.
في العموم فأن الاعتراف بما يميزنا عن الآخر وبخصوصيتنا يؤدي للاعتراف بهويتنا لا محال، مع الاحتفاظ بنقد الذات والمراجعة الذاتية لمواطن الضعف فيها ، وأن المستقبل يحتم التحاور مع الأخر والانفتاح عليه والتكيف معه، وبهذا نتطور بصورة متوازية صحيحة.