اخر الاخبار

كل مرة أستقل سيارة ما، (فورتات) أو ( تاكسي) يطرق مسامعي حديث الركاب أو السائق عن الأطفال والنساء ــ العجائز والصبايا ــ المنتشرين في تقاطعات الطرق وبقية الشوارع والأسواق، ومثلما نشاهدهم يوميا في البصرة أنا على يقين أن مثلهم يملؤون شوارع بغداد وبقيّة المدن ،إنها ظاهرة بدأت تتفاقم وتنتشر يوما بعد آخر !

 أتذكّر عندما كنت صغيراً ،وتحديداً في قريتنا التي تقع في أقصى جنوب القلب لم أشاهد متسولاً قطّ إلا اثنين يدوران على البيوت يتسولان مواداً غذائية فقط (طحين، تمّن، بقوليات ، تمر.. الخ) أحدهما شبه مجنون والآخر أعمى وهما يرعيان أمّيهما الضريرتين ،كنّا نرعاهما ونساعدهما في كل شيء حتى بحمل ما يحصلان عليه أثناء دورانهما بين البيوت ،وكان الناس يتعاطفون معهما كثيراً لأنهم يعرفون انهما مستحقّان للمساعدة والصدقة بشكل حقيقيٍّ وملموس، كما كان يطرق أبوابنا وقتها أيضاً رجال يحملون ( الربابة) يعزفون عليها ويغنّون لقاء أجرٍ ما وغالبا يكون عبارة عن ( مواد غذائية) وهؤلاء من جماعة الغجر الجوّالين!.

أما ما نراه اليوم من انتشار واسع للمتسوّلين في الشوارع و ( الكراجات ) والأسواق والتقاطعات فظاهرة تستحق الوقوف عندها كثيراً ودراستها من جميع الجوانب !

أطفال من كلا الجنسين بعمر الزهور وعجائز وشابات في مقتبل العمر يقتعدون الأرصفة ويتنقّلون بين السيارات في ال( ترفك لايت ) منهم المتسوّل ومنهم حامل مضخّة صغيرة لغسل زجاج السيارات مقابل ثمنٍ بخس ــ بالأصل هو (( كدية )) ــ ومنهم حامل ورق ( كلينكس) وغيرهم الكثير ، ناهيك عن النسوة اللواتي يجمعن أطفالاً حولهن بعضهم نائمين نوماً عميقاً ــ كيف نام ؟! لا أعرف! ــ والآخر يحمِلْنه على صدورهن وهو يغط في نومٍ عميق أيضاً ــ كيف ؟! لا أدري ! ــ أطفال أعمارهم شهوراً وقد تتجاوز السنتين في بعض الأحيان يفترشون الأرصفة نائمين نوما عميقا والشمس تلفحهم في هذا الطقس اللاهب الذي تصل درجة حرارته (50درجة وأكثر).. هل يُعقل هذا في بلد يطفو على بحر من النفط وفيه من الثروات المتنوّعة الكثير؟!.

نعم.. يُعقل إذا كان الفساد مستشرياً في كل مفاصل الدولة وسياسيوها يتقاتلون على المكاسب والمغانم وهذا يبيع ذاك ، والكلّ لا يهتم بما يدور في بلدِهِ من فقرٍ وجوعٍ ومرضٍ وموتٍ بالمجان، اضافة الى الجهل الذي بات ظاهرة اخرى ، فلا تحديد نسل ولا وضع آلية للتربية والمعيشة من قبل الوالدين اللذين ينجبان ويرميان في الشوارع للأسف بلا تعليم وما شابه  !.

هؤلاء المنتشرون في الشوارع وغيرها من الممكن أن يكونوا صيداً سهلاً للعصابات بشتى أشكالها ومسميّاتها، وتجنيدهم بحفنة دنانير لقتل الآخرين وتخريب البلد من خلال الخدّرات وغيرها ، إضافة إلى الانحراف الأخلاقي.

لهذا علينا أن نعي أنّ الدولة مسؤولة بشكل مباشر أمام التاريخ والناس والضمير والأخلاق وكل شيء بالحفاظ على مواطنيها من الانحراف ، والدستور كفل الحق للجميع بالعيش في كرامة وراحة بال، لا أن نتركهم عرضة لتقلّبات الوضع الاقتصادي والأمني وبالتالي يخسرون أنفسهم كما يخسرهم الوطن كمواطنين صالحين!

عرض مقالات: