اخر الاخبار

رغم تقدير حاجتهم الماسة في تدبير شؤون الحياة وتأمين لقمة العيش الشريف، فان أصواتهم تطرق أسماعنا رغما عنا ليل نهار ..

أصوات توقظ - للمبالغة - حتى الموتى! أنها أصوات الباعة المتجولين، التي تتسلل الى بيوتنا وتخترق أسماعنا بضجيج عجيب، ممزقة كل لحظة سكون قد نحلم بها، تنادي بتجييش تجاري يفرض الانصياع اليه حتى وأن لم تكن بحاجة.. قد تهرع أحيانا للشراء طمعا بإسكات صوت أحدهم، فيرعبك صوت مناد آخر..

بزعيق متلوّن وبنوتات متعددة تتلقى أصوات أبو المخضر، وأبو الفواكه، وأبو .. وأبو .. وما أن تنتهي من الشراء حتى تجفل لصوت بائع آخر يقسّم أنغام أصواته على أجزاء العملة: “4 كيلوات بطاطا ب3 آلاف دينار، كيلو شجر بألف، طماطة بألف..”  ثم يأتيك صوت بائع البطيخ الأحمر – “الركي” واصفا إياه بـ “حَمار وحَلاه”. وفي الوقت نفسه تتلقف صوت بائع الدجاج مناديا” دجاج ذبح وتنظيف” فتهرب خشية مشاهدة مجزرته الصباحية.

بعد قليل تأتي جوقة أخرى من باعة السمك الحي تنادي: “سمك حي طيب، وزوري خشن ..” ليأتي بعدها من يعرض شراء بطاقات التموين والأغراض العتيقة، ولا أدري كيف يكسب هذا البائع قوته من بطاقات تصرف شهريا بعدد محدد؟ كما يجعلنا نتساءل: أي بيت يمكن أن يبيع أغراضه يوميا، حتى وإن دعته الحاجة لبيع البعض منها أو العتيق على سبيل المثال؟! أما بائع “ماي آرو” فهو مشكلة لوحده: صوتُ سماعته نسمعه حزينا وبإلحاح غريب: “ماي آرو، ماي آرو، دبة بخمسمية”..

تمضي الظهيرة وأنت متوتر لا يكفيك مشهد تفتّح زهرة في الحديقة ولا رش الثيل، وفجأة تصدح سماعات الجوامع بأدعية مسترحمة تستبق الآذان. فتستغرب وتتساءل أيضا لم هذا الاستدرار للدموع ؟ لماذا يركز أخوتنا المسيحيون على توصية “ صلِّ وأنت تبتسم”، بينما نكاد نبكي نحن قبل الصلاة؟!

ثم تهدأ قليلا لسماعك أصوات بائع الغاز بلحن مميز توحد في أغلب المحافظات في سابقة غريبة، مع صوت الآذان الشجي .. لكن سرعان ما يغزو أذنيك صوت بائع القيمر وجبن العرب مزمجرا وكأنه في معركة، غير عابئ بخشية الناس من شراء الألبان المكشوفة في أوقات الصيف. وتتوالى عروض البضائع طوال النهار لتشمل بيع الأفرشة، والأواني، والبقوليات والشامبو، وجميع بائعيها عصبيون يجاهرون بأصوات متشنجة تلعن مَن لم يشترِ وقد تكيل له السُباب!

في ساعات متأخرة من الليل ينادي بائع الـ شَعر بنات: شَعر، شَعر يا وِلد” مستعطفا الأطفال من كلي الجنسين وبصوت لطيف هذه المرة، ربما لأنه يأتي متأخرا قبل نومهم بقليل.

 أما أنا فأردد حينها مع نفسي بعصبية تكملة مناجاته وفق الحكاية الشعبية: “شَعر بَنات ، وين أولّي ووين أبات”؟!

عرض مقالات: