اخر الاخبار

كلما ألتقي أحدهم وأسأله: أين أنت الآن؟ يجيبني بأسى : والله عطّال.. بطّال!

 تظلّ الكلمة ترنّ في أذني كأنها طرقات (جاكوج) تحطّم كل صفائي وتأملاتي ، لأعود وأسأل:

 لماذا ؟ ألا يوجد عمل ما ؟ ما حصّلت تعيين ؟ فيأتيني الجواب أكثر قوّة من تلك الطرقات : أين هو العمل .. وكل شيء متوقّف عن الحركة؟ كأن الحياة غادرت أرضنا ومعاملنا، وصار العوز والقهر والبطالة ونزيف الدم هو المتحرك الفعلي في كل مكان؟

اتذكّر ان أخي الكبير حين اخفق في دراسته سيق إلى الجيش، وبعد تأديته الخدمة العسكرية تم تعيينه في شركة الموانئ التي كان تسمى حينها مؤسسة الموانئ العراقية، ليبدأ رحلة عملٍ لم تنقطع إلا بإحالته على التقاعد قبل أكثر من عقد من السنوات. بمعنى انه لم يكن عاطلاً بل قدّم خدمة لوطنه من خلال عمله اليومي في الموانئ، وغيره الكثير من الشباب الذين أصبحوا الآن كهولاً، منهم مَن غادر دنيانا ومنهم ما زال يعمل، كلّهم لم يكونوا عاطلين أبداً !! ولا يمكن أن ننسى العمّال والموظفين الذين قدّموا ويقدّمون الشيء الكثير والخدمة الجليلة لناسهم وأرضهم ولعوائلهم أيضاً.

لكننا منذ 2003 وحتى هذه اللحظة لم نسمع عن توظيف عمّال أو موظفين هنا وهناك إلا بشقّ الأنفس، أو عن طريق (الواسطة) وغيرها مما تعرفونه.  المصانع أكثرها متوقّف عن العمل، كذلك المشاريع الزراعية لم تؤدِ دورها المطلوب ، وتأخرت كل أنواعها أسوة بأختها الصناعة لنصبح مستوردين ومستهلكين لكل ما يُنتج زراعياً وصناعياً في دول الجوار وغيرها !

والطامة الكبرى هي سوسة الفساد والهدر المالي وسرقات القرن، مما ذهب أدراج الجيوب الفاسدة والصفقات المشبوهة !

 لنتأمل قليلاً وضع شبابنا الذين علّقوا شهاداتهم الجامعية على الحيطان، وصاروا زبائن للمقاهي والتسكّع على أرصفة الطرقات بلا تعيين، ولسان حالهم يقول : ذهب تعبنا كل سني الدراسة ادراج الرياح وصرنا نترقّب اطلالة (غودو) لينقذنا من هذا الضياع !!

بعد الدراسة والأحلام الوردية بمستقبلٍ يخدمون فيه الوطن باتوا بين ليلة وضحاها عطّالين لكنهم ليسوا بطّالين..، لأنهم سعوا  وما يزالون يسعون لأجل تعيينهم كي يقدّموا خدمة جليلة للبلد، ويكونوا بناة مستقبله وازدهاره.

“الباطلون” هم الفاسدون الذين نهبوا خيرات الوطن وتركوه والشعب يواجهان مصيراً مجهولا، فالعاطل عن العمل لم يكن يوما على باطلٍ، بل “الباطلون” هم أهل الباطل الذي تسبب في عطل الآخرين وجعل ابناءنا منتظرين على الطرقات.

عرض مقالات: