اخر الاخبار

في كل عام ينتظر العراقيون الدخان الأبيض الذي يخرج من مبنى البرلمان إيذانا بإقرار الموازنة السنوية بعد ان تكون قد درست في مجلس الوزراء على ضوء الصيغة الأولية التي تعدها وزارة المالية ويأمل العراقيون أن تمنحهم هذه الموازنة نصيبهم من مالية الدولة الكفيل بإزالة براثن الفقر لتحسين حياتهم المعيشية، غير أن ما يحصل هو العكس فولادة الموازنة باتت عسيرة تأخذ أشهرا لإقرارها ما تزيد الشكوك بجدية الحكومة في انجاز هذه الشرعة الدستورية.

وحيث أن الموازنات السنوية تشكل واحدة من أهم أدوات السياسة المالية التي يتوقف عليها الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية من خلال إعادة النظر في نظام التوزيع فهل ستحقق موازنة هذا العام 2024 هذه الأهداف أم انها ستنتج ما انتجته موازنات الأعوام السابقة؟ فها قد مرت خمسة شهور على إرسالها إلى البرلمان وفيه ستستغرق شهرا لمناقشة جداولها ما يعني تعطيل المشاريع المقرر تنفيذها خلال هذا العام،  مع العلم ما انفق من موازنة عام 2023  لم يزد على 60 في المائة،  ومن خلال قراءة بيانات الموازنة التي اقرها مجلس الوزراء يتبين أن مقدار العجز سيكون 66 تريليون وفق تصريحات برلمانية،  وان مجموع الإنفاق 211 تريليون ما يظهر أن نسبة العجز  ستصل إلى 31 في المائة ما يشكل عشرة أمثال النسبة المنطقية والبالغة 3 في المائة، وهو تحد  كبير أمام الحكومة  في كيفية تغطية هذا العجز ما يدفع الحكومة للاقتراض من مصادر داخلية  وربما خارجية، مع العلم أن العراق واحد من الدول  المثقلة بديون كبيرة. وبسبب من تخفيض تخصيصات المحافظات لعام 2024 التي تظهرها جداول الموازنة ما يؤدي إلى توقف المشاريع الخدمية والعمرانية وبذلك تتكرر ظاهرة تعطيل المشاريع كما حصل في عام 2023 والأعوام السابقة.

وتظهر الجداول في الموازنة المقترحة لهذا العام أن مقدار النفقات الاستثمارية تصل إلى أكثر قليلا من 54 تريليون دينار وقد تصل إلى 55 تريليون دينار، وتشكل 26 في المائة من مجموع الموازنة وهي ذات النسبة في الموازنات السابقة، ما يعني ان عملية التنمية ما تزال تسير ببطء ويظل الاقتصاد العراقي منكمشا على ذاته. وارتباطا بهذا الاضطراب في الانفاق الاستثماري فقد ظهر ان تخصيصات البرامج الاستثمارية للمحافظات قد بلغت 10.633 تريليون دينار في موازنة عام 2023 مول منها مبلغا مقداره 3.333 وبقي من اجمالي التخصيصات 7.333 تريليون دينار ما يعني ان ثمة مؤشرا لفوارق كبيرة بين موازنتي 2023 و2024 فكيف سيصار إلى معالجة هذه الفوارق.

وحسب تصريحات رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي عقده بعد جلسة مجلس الوزراء في 19 أيار فان مجموع الايرادات المخططة بلغت أكثر من 144 تريليون دينار بينها 27 تريليون دينار ألزمت الحكومة نفسها باستحصاله كإيرادات غير نفطية ولم تتوضح آلية تحقيق هذا الهدف في ظل استمرار ظواهر الفساد والهدر الماليين.

ومع ارسال الجداول المالية لموازنة 2024 لم ترسل الحكومة الحسابات الختامية لعام 2023 لبيان الكيفية التي تم بها إنفاق موازنة 2023 فالحسابات الختامية تشكل الركن الأساس في مناقشات الموازنة التي تعمق مضامينها وترسم اتجاهاتها العامة وتحدد الآليات المناسبة لتنفيذها، إذ إن ما يكشف حقا كفاءة الأداء وسلامته تلك الحسابات التي تعكس بوضوح رشاد التخصيصات وشفافية الأداء الاقتصادي وكفاءته. فإذا كان السبب في عدم تقديم الحسابات الختامية في السنوات السابقة لعدم اكتمالها لأسباب تقنية فلابد إن تكون هذه الأسباب قد عولجت.

وإذا كانت المناقشات السابقة سواء في البرلمان أو خارجه مجرد مطاردات نقاشية بسبب ضيق ميدان المناقشة وافتقار الكثير من الأكاديميين والمهتمين بالشأن الاقتصادي وهم الشريحة الأكثر حماسا للاطلاع على تفاصيل الموازنة واتجاهاتها العامة كي يسهموا في المناقشات أسوة بالسادة البرلمانيين والمسؤولين المعنيين بالتنفيذ في معظم وسائل الإعلام كي يأخذ الرأي العام دوره في رسم السياسة المالية للبلاد، لهذا يصبح من واجب الحكومة التبكير في اعداد الموازنات السنوية وطرحها للمناقشة العامة بأسلوب واضح ومدروس.

عرض مقالات: