كلّما أنظر الى ابني الأوسط جالساً يضرب أسداساً بأخماس بعد تخرّجه من الجامعة منذ ثلاث سنوات وهو بلا تعيين ، يعتصر قلبي الألم وتأخذني نوبة همٍّ كبيرة ،وأمثاله الكثيرون من الخرّيجين الذين تعبوا وجدّوا واجتهدوا هم وأهاليهم ليحصلوا على شهادات جامعية دون أدنى احساس بهم من قبل المتسيّدين على رقاب الناس والمأخوذين بعشق الكراسي وما تدرّه عليهم من السحت الحرام !!
ذات يوم كنت راجعاً من بغداد الى البصرة ومعي راكبان عربيان، من خلال الحديث بيني وبينهما عرفت أنهما مهندسان يعملان في احدى الشركات النفطية التي تضجّ بها البصرة وتمتلئ سماؤها بكل ملوّثات الكون وما تنتجه من أمراض سرطانية وغيرها، سألتهما عن كيفية العمل والعيش بعيداً عن بلادهما، أخبراني انهما يتقاضيان مبلغاً كبيراً وبالعملة الصعبة طبعاً مع سكنهما وأكلهما مجّاناً، والكثير على شاكلتهما من الأيدي العاملة الأجنبية التي باتت مطلوبة من قبل الشركات الأهلية العاملة في مجال النفط والمجالات الأخرى سواء انتاجية أو خدمية ،لحظتها أخذتني سرحة فعادت بي الذاكرة الى أوائل سبعينات القرن المنصرم عندما كنت طالباً في الاعدادية وكنت أعمل خلال العطلة الصيفية بأجر يومي في شركة النفط، وأمثالي الكثيرون الذين يعملون في الشركات الصناعية والزراعية والموانئ وغيرها،
اضافة الى ما كانت تعدّهم وزارتا النفط والصناعة من كوادر وسطية من خلال تسجيلهم في دورات تدريبية مركّزة لتؤهلهم ان يكونوا عمالاً وموظفين في هذا القطّاع أو ذاك مستفيدين من تعليمهم ومساعدين أهاليهم بالمصاريف ومحقّقين مستقبلهم وما الى ذلك.
منذ سنوات وأبناؤنا عاطلون عن العمل ، يتخرّجون من الجامعات والمعاهد بالآلاف دون تعيين ،أو حتى التخطيط لتوزيعهم على المؤسسات والشركات التي تستفيد منهم ويستفيدون منها في مسيرتهم الحياتية ،كم مرّة تظاهروا واعتصموا مطالبين بأدنى حقوقهم وهو التعيين والوظيفة ، لكّنهم يجابهون بأقسى أنواع الرد غير المنطقي جداً ، يصل بعض الاحيان الى الاعتقال أو الضرب والاهانة ، واذا ما فكّروا أن يقدّموا على العمل في الشركات الأهلية والخاصّة يتقاضون راتباً أقل ما نقول عنه انه (فتافيت) مقارنة بما يتقاضاه الآخر العربي أو الأجنبي من راتب يصل الى الاف الدولارات، لهذا تجد أغلب ابنائنا يصابون بالإحباط والقنوط جرّاء ما يعيشونه ويعانونه بعد سني الدراسة والمواظبة والتعب ليحصدوا البطالة والتسكّع على الأرصفة والجلوس في المقاهي والكوفيهات يزفرون حسراتهم مع دخّان الأراكيل الذي ينفخونه ، واذا ما طالبوا بالتعيين يواجهون بشدّة ووعود كاذبة وتسويفية!!
على الدولة أن تلتفت لأبنائها ، وان تجعل هناك موازنة حقيقية وعادلة بين توظيف ابنائنا العاطلين والذين يتكاثرون بعد نهاية كل سنة دراسية ، وبين العمالة الاجنبية سواء في نسبة التعيين والتوظيف وكذلك في الراتب ، كي لا يجعلوا من الشباب الخرّيجين وغيرهم عاطلين لم يستفيدوا من شهاداتهم ولم يستفد منهم البلد أيضاً ،ولنعلم جيداً أن العمالة الاجنبية ترسل وتوفّر عملة صعبة لبلدانها في الوقت الذي يجعل ابناؤنا هذه العملة في خزانة للوطن .