لقد حفلت الذاكرة الشعرية بوجود علامات مهمة من النساء الشواعر ابتداء من انجيدوانا السومرية ومرورا برابعة العدوية والذوبان في روح الله فولادة بنت المستكفي وانتهاء بجيل المبدعات المعاصرات وحضورهن المتوهج نتيجة الانفتاح المجتمعي(حضاريا وثقافيا)..
والشعر الشعبي بكل تشكلاته يعكس معلما معرفيا ووسيلة مؤثرة بمفرداته الخالقة لصوره الخالية من التعقيد والضبابية..والتي ينسج عوالمها منتج (شاعر)له حضوره الدائم وهو يغني للوطن والارض والحبيب والحرية.. بالفاظ تخرج من القلب وتدخل القلب دون استئذان..والشاعرة الشعبية العراقية التي لم تتعلم من الحياة الا الحب والصبر.. ابدعت في كل ما له علاقة بالوجدان والقيم..فقدمت نصا مستفزا للذات الجمعي الآخر ونابشا لخزانته الفكرية كي يستنطق ما خلف عوالمه..وها هي الشاعرة احلام الزيدي التي سجلت حضورا واضحا في حركة الشعر الشعبي وهي تعلن عما يختمر في ذاتها ومكنونها بتراجيدية تختزن الالم كهاجس تعويضي عما مضى والآخر..ومعاناة الوحدة والانكسار بسردية شعرية..
حبيبي شلون تهجرنه وتسافر
وتهون شلون عشرة ذيج السنين
يراعي الغيرة يمكحل النواظر
عمود البيت انته وشمعة البيه
وراك البيت ظل يكسر الخاطر
كطعت الوصل بينه وخالية العين
ولا مرسال من اهل المكابر
ونته الي صحت بالموت مرات
وخوفت المنايا بصبر قاهر..
فالنص ينفتح على الفضاء الروحي للانسان والتغلغل في الاعماق من خلال مخاطبة الاخر وبثه لوعة الفراق والوحدة والشعور بالاغتراب الروحي..
بلاية وجوهكم وين انطي وجهي
شلت حمل السنين وما كلت آه..ولجل عيونكم فضيت خلكي
وتدرون اصبرت متعاجزتيوم..وآنه الي رباكم كسر ظهري
صحيح اتعبت لكن..انتوجنتو..هدية الله ييمة الوجع صبري
فالشاعرة تعتمد في بناء نصها على ظاهر البنية الدرامية والسردية النسوية التي تناغي وتندب دوما من قسوة الايام وحرقة الزمن.. والتي تبث من خلالها تجربتها الذاتية عبر حوار منولوجيداخلي..فضلا عن قدرتها في ترتيب الحروف في معادلة انسانية استثنائية وهي تؤسس لمشاهدها الجمالية القائمة على استثارة الخيال الشعري واستدعاء ذاكرة المكان..
يلغابت رسومك ما غبت صيت
وصيتك هيبتــك غايب وحاضر
واداري بدمعتي من اليشمتون وعلى عناد الصبر اصبر وصابر
فالشاعرة تتكىء على تقانة الصوت والاعتراف وهي تسجل لحظة حزنها..حيث البوح والاستطراد الوصفي مع انفتاح على رؤية مشحونة بالحلول في الآخر..عبر لهجة تؤسس لنوع من السرد الشعري المكثف الذي يوائم بين العالم الخارجي برموزه الشخصانية والزمكانية التي تشكل اطار تحركها وتداعياتها التي تنبثق من مرئيات وموجودات تحيطها..(وخيال وجوهكم بجه المرايات...مصبر عن بعدكم زين ادري)..وبين العالم الداخلي الضاجبالاسئلة والحوارات الموضوعية بصفة ذاكرة وعي ذاتي..
كل هذا يكشف عن تفرد نص الشاعرة بقدرته الاستيعابية ليعكس رؤيتها لذاتها وقضاياها الاجتماعية والانسانية بمصداقية منطلقة من انوثتها المفعمة بالحياة..اضافة الى توظيفها لهجة شعرية واضحة المعاني..سليمة التراكيب مع دقة في اختيار الالفاظ المموسقة..الموحية..القادرة على كشف المسكوت عنه...