اخر الاخبار

الحياة الفارغة تشبه القطار الذي لا ولن يتوقف عند محطتك. هكذا هي بالنسبة للدكتورة نهلة النداوي، الأكاديمية والناشطة في مجال التوعية بحالات التوحد وأطيافه.

أحاطت هذه السيدة المعجونة بعذوبة نادرة ولدها «أسيّد» المصاب بالتوحد، بروح تضحية أصيلة يمكن أن تطوّق العالم كله بحنان كبير، مصممة على بث عزيمة الحياة فيه، ونفخ الرماد بعيدا عن جوهره، صانعة منه قصة نجاح باهرة بعدما خذلته الطبيعة.

والتوحد هو أحد الاضطرابات العصبية التي تتسبب في مشاكل في التواصل والسلوك، وعادة ما تبدأ أعراضه بالظهور قبل عمر 3 سنوات، إذ يعاني ضحاياه من اضطراب في النمو العصبي يؤثر على عملية معالجة البيانات في الدماغ، ما يؤدي الى ضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وحدوث أنماط سلوكية مقيدة ومتكررة.

عالميا، تكرس الأمم المتحدة الثاني من شهر نيسان كل عام يوما للمصابين بهذا المرض، كوسيلة لتأكيد وتعزيز وتنفيذ جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأشخاص المصابين بالتوحد على مستوى العالم، على أسس متساوية وشاملة مع الآخرين.

والنداوي فقدت زوجها في انفجار إرهابي قبل سنوات، وواجهت محنة وحيدها «أسيّد» ببسالة مدهشة .. برأيها الذي عبرت عنه في لقاء تلفزيوني «أن للمعاناة وجها جميلا أيضا ، خصوصا عند تجاوز المحنة. فهذا يمنح المصاب فرصة عظيمة لمقاربة الحياة بعين إيجابية».

توجه النداوي حديثها لعائلات المتوحدين بهدف خلق فرص لتوعية الأمهات، عبر بث الأمل فيهم وحثهم على تعليم أولادهم وتطوير مهاراتهم وحتى تأهيلهم للعمل، بالرغم من ندرة أو انعدام المدارس المخصصة لهم.

وتشرح النداوي حالة «أسيّد» وتذكر أنه حاليا شاب بعمر23 عاما يمارس حياته الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية بشكل مستقل، بعدما عملت على تحديد أهداف قصيرة لأزمان محددة في بداية مسيرته التعليمية، ومنها انتقلت تدريجيا الى أهداف أكبر عبر تدريب أكاديمي مثابر على تعلم نطق الحروف والقراءة والكتابة أولا، ثم طوَّر من كفاءاته الأخرى حتى استكملت حاليا بقدرته على التوجه والاندماج في الحياة الاجتماعية والثقافية.

انا شخصيا كثيرا ما ألتقي «أسيّد» في الندوات والمعارض التشكيلية ومعارض الكتب، وهو يشعرني بأنه يعرف الجميع، ويبدو مبتسما ضاجا بالحياة ، مانحا طاقة ايجابية نابعة من محبة طاغية بقلب أبيض وبعفوية صافية.

وهو شغوف بمتابعة أحداث العالم ، وقادر على إدارة شؤونه المادية كونه يستلم حاليا تقاعد والده بنفسه ويرتب ميزانية مصروفاته ،إلى جانب متابعته للشأن الثقافي المحلي، واطلاعه على تاريخ العراق الحديث وأبرز مثقفيه. كما انه كشف عن موهبة في الرسم يعبر فيها عن مكامن نفسه وعن مشاعر المحيطين به وخصوصا والدته. مثلما توجه للحاسوب وتعلم عددا من البرامج. كما انه ذو موهبة نادرة في تحديد يوم وأسبوع ولادة الشخص بمجرد بمجرد معرفة تاريخ ولادته.

تستعين النداوي في وصف حالتها مع ولدها بالمثل الدارج: ما تبنى جثة إذا ما تبلى جثة.

عرض مقالات: