ما الذي يجذب المواطنين عموما، والشباب منهم خصوصا، الى الحزب الشيوعي العراقي؟ السؤال راهن ومعنيّ بالحاضر، الذي رغم ما يكتنفه من صعوبات واشكاليات وتعقيدات واغراءات ونزعة استهلاكية طاغية، فانه لم يَحُل دون انضمام الشباب والشابات بقناعة وبثقة الى صفوف الحزب.
ولا شك ان من يأتي الى الحزب اليوم يعرف مسبقا انه لا تمثيل له في السلطة، ولا يمتلك المال كي يغدقه على شراء مرشحين وناخبين، ولا سلاح يرفعه يلوح به.
فالانتماء لحزبنا اليوم يحمل ويملك اصالته وصدقيته وتجرده عن المصالح الذاتية والشخصية، وهو من دون شك خيار صعب وسط كل الضغوطات والدعايات المضللة والاغراءات الكبيرة، فهو بحد ذاته تعبيرعن استعداد مسبق للتضحية، وهو اختيار فكري وسياسي بامتياز.
العديد من الشباب وجدوا طريقهم الى الحزب في اثناء الانتفاضة المجيدة ، بعد ان لمسوا الصدقية في مواقفه، وإقرانه القول بالفعل، وان مشاركته في الانتفاضة لم يكن هدفها تحقيق غايات خاصة. فالهم كله، والجهد كل الجهد، كان بلوغ الانتفاضة غاياتها النبيلة. وتبقى في هذا السياق الحقيقة الساطعة، حقيقة أن خيمة الحزب كانت آخر خيمة في ساحة التحرير تم رفعها.
فهل وحدهما الصدقية وبياض الايادي، كانا كافيتين لانضمام هذه الطاقات الشابة وغيرها الى الحزب؟
سئلت ذات مرة في احدى القنوات الفضائية عن هذا، وعن سر بقاء الحزب وصموده رغم عصف الرياح الصفراء، فقلت ان أمورا عدة تجتمع لتشكل حالة الفرادة في الحزب الشيوعي، الشاب الذي نحتفي بتسعينيته، وهو ذو الماضي المجيد والحاضر المفعم بالثقة والمستقبل الواعد. قلت ان العديد من العوامل والأسباب كانت وما زالت مصدر إلهام وتحفيز له، منها الموقف الوطني الذي هو سمة وعلامة تميز الحزب الذي لا يتمتع بإجازة من النضال تحت مختلف الظروف، ولا يعرف الموسمية والكلل، ولا يساوم على المباديء، وهو منذ ولادته السعيدة في التحام أبديّ مع المواطنين وشغيلة اليد والفكر، ومع الجمال في كل مكان وزمان، وضد القبح والظلم والاستبداد بكل تجلياتها وعناوينها، فيما يسترشد بمنهج خلاق وفكر متقد تؤكد الحياة كل يوم صحته وصدقيته. كما لا منازع للحزب في مواقفه الطبقية والاجتماعية وانحيازه الثابت الى الناس وتطلعاتهم.
ولا يكتمل الحديث دون الإشارة الى جانب مضيء آخر جاذب وملهم، ونعني به قوة المثل لباني الحزب يوسف سلمان - فهد واستشهاده البطولي، والصمود الأسطوري لرفيقه سلام عادل امام الجلادين، وغيرها من مآثر الرواد والقادة الآخرين وسلوكهم وتضحياتهم الجمة، وهي ما يعتز به ويفتخر كل شيوعي، بل وكل مواطن عراقي يتسم بالموضوعية، وهي ما انفكت تذكي جذوة الحماس والزهو والفخر بصواب الانتماء وحسن الاختيار.
انه تاريخ ملهم وناصع رغم ما فيه من تعرجات، فلم يتورط حزب فهد وسلام عادل بما يخلّ بمبادئه وقيمه الثورية، سواء في زمن النجاحات او في اوقات الانكسارات والاخفاقات. وحتى حين يخطئ الشيوعيون في غمرة اجتهادهم لخدمة الشعب والوطن، فانهم سرعان ما يبادرون بارادتهم الى التقويم والتصحيح، والى مراكمة الخِبَر واستخلاص الدروس منها، والعودة اليها باستمرار باعتبارها زاداً تمس الحاجة اليه في معمعان العمل والنضال.
هذا هو الحزب الشيوعي اليوم باصالته وصدق مواقفه وخياراته الكبرى، هكذا كان وسيبقى رغم الصعاب وما اكثرها. ولهذا كله وغيره لن تغلق صفوفه، كما حلم وتمنى الطغاة والمستبدون والظلاميون، وتظل ابوابه مشرعة للشباب وغيرهم من المواطنين، الذين يرون فيه، كما رأى الرواد، المرتجى والأمل.
في العيد التسعين اطيب وارق التهاني.
وكل عام وانتم والحزب والشعب والوطن بالف خير.