اخر الاخبار

 قد يتصوّر القارئ الكريم أنني سأتحدث عن الملاحم والأساطير التي ذُكرت في كتابات المؤرخين الأولين، وما جاء في ملحمة كلكامش والمهابهاراتا والإلياذة وغيرها. لكن الامر على العكس تماماً، فأنا على يقين تام من ان أبطال تلك الملاحم وما جاء فيها من حوادث وحكايات ليسوا وحدهم أساطير الزمان، بل في كل زمن تظهر شخصية أسطورية بمواقفها وبطولاتها، فتتجسد قصصاً ورواياتٍ في كل ميادين الحياة !

وأسطورتنا في زماننا الحديث، والذي تمر هذه الأيام على ملحمة خلوده أحدى وستون سنة، هو الذي سجّل اسمه في صفحات التأريخ بأحرف من ذهب ونور وبسالة وعزّة وكبرياء وشموخ، ليجعل من موته حياةً ومناراً يهتدي بضوئه السائرون على خطاه، في مسيرة حزبٍ كللتها تسعون نجمة متلألئة في سماوات المجد والعنفوان والنضال!

سلام عادل .. حين تتأمل هذا الاسم تجده قد فُصِّلَ على مقياس حياة رجلٍ استحقَّ أن يتسمى به، ليظل على مدى التاريخ يذكره الناس متناسين اسمه الحقيقي ( حسين أحمد الرضيّ الموسوي )، لأنه حمل مشعل الحريّة والسلام والعدالة وظلّ يدور به في كل دروب الوطن، ناقشاً شعار ( وطن حر وشعب سعيد ) على شغاف قلبه ، مترنّماً بأغنية البطولة والاندكاك مع كل ذرّات تراب وطنه، لينتصب بيرقاً يسمو في سماء المجد والخلود!

قبل ثلاثة أيام حين احتفل الشيوعيون في النجف ورفاقهم من أبناء الوطن جميعاً بذكرى عروجه إلى السماء، طلبوا منّي أن أكون مديرا لاحتفالهم. وفيما أنا أدخل قاعة نقابة معلمي النجف الاشرف التي أقيم المهرجان فيها شاهدت معرضاً يضمّ  بعض صوره، واستوقفتني صورة له حينما كان صبيّا يلبس الكشيدة أو العمامة السوداء. لم أتبيّن الملامح جيداً بسبب قدم الصورة وما حصل بعد تكبير حجمها، فبقيت متسمّراً أمامها متأملاً عينيه فقط. كانتا عيني صقر تفتح للحياة فضاءات رؤيا خرافيّة المدى.

قلت لصديقي الشاعر جلال عباس الذي كان واقفاً إلى جانبي : انظر في عينيه وهو صبي وتأملهما جيداً، ستبصر شعاعاً من رجولة وكبرياء ونظرة نحو أفق أسمى وأكبر من عدسة الكاميرا آنذاك . أجابني: نعم ، وأنا قد شعرت بذلك أيضاً .

هنا يتّضح كلياً أنه وُلِدَ ليكون رجلاً أسطورياً ، فارتسمت مسيرة حياته على هذه الشاكلة ، وحينما أطفأت حياته يد الخسّة والحقد والنذالة كانت الخسارة كبيرة. لقد لقّن الفاشست القتلة دروساً بصموده وبسالته وصلابته بوجه كل أساليب تعذيبهم البشعة ، ليظلَّ جبلاً شامخاً عصيا عليهم.

ومثلما اختتم مخرج فيلم “طروادة” أحداث فيلمه بعبارة يقولها أحد الأبطال الذين ظلّوا أحياء بعد موت أخيل وهيكتور: أنا أزداد شرفاً وكبرياء كلّما تذكّرت أنني عشت في زمن الأساطير، زمن أخيل وهكتور.

نظلّ نردد في كل وقت : الشيوعيون يزدادون شموخا وخلوداً وهم يواصلون السير على خطى الأسطورة سلام عادل ..

عرض مقالات: