اخر الاخبار

لا أحد يجهل وخاصة الاقتصاديين والمهتمين بالشأن المالي خبراء أو مؤسسات رسمية حكومية، أن السياستين المالية والنقدية تلعبان دورا أساسيا وحاسما في حركة الاقتصاد والسوق من خلال ضبط إيقاع أسعار الصرف ومعدلات التضخم ومستوى الأسعار ومعدلات التنمية في الاقتصاد، وهذه الأهداف لا يمكن أن تؤدي أدوارها الاقتصادية والاجتماعية دون أن يصار إلى التنسيق الكفء بين هاتين السياستين.

  وكان من المؤمل أن تتجه السياسة الاقتصادية للدولة بعد عام 2003 إلى معالجة الاختلالات في الاقتصاد العراقي وإعادة توازنه من خلال إخراجه من فخ السقوط في الريع النفطي باتجاه توظيف هذا القطاع في عمليات التخطيط والتنمية المستدامة وإنعاش الاقتصاد الحقيقي وتمكين قطاعاته المختلفة من التحرك المنسق- للوصول إلى هذا الهدف بما في ذلك تمكين السياستين المالية والنقدية كي تلعبا دورهما في إنجاح هذه البرامج.

   وبدلا من قيام هاتين السياستين بهذا الدور فقد قامت الحكومة العراقية في السنة الاخيرة بإصدار ما اسمتها بالورقة البيضاء التي احتوت على أمور عديدة أغلبها تعرض إلى الانتقاد من الخبراء الاقتصاديين والماليين، ومن ضمنها التلويح بتعديل سعر الصرف من خلال تخفيض قيمة الدينار العراقي بحجة الأزمة المالية وتعويض الانخفاض في أسعار النفط وسد فجوة التضخم في موازنة 2021  وتغطية العجز الكبير فيها وعدم كفاية الكتلة النقدية لدى الحكومة لتغطية رواتب الموظفين الذين تناسل عددهم بشكل أكثر من الطاقة الاستيعابية للجهاز الحكومي لرغبة احزاب المحاصصة من توسيع قاعدتها الانتخابية، لهذا طلبت وزارة المالية من البنك المركزي رفع قيمة الدولار لتوفير الغطاء النقدي ومعالجة الأزمة، وقوبل هذا الطلب باستجابة  البنك المركزي.

ورغم كل هذه المزاعم والتبريرات فإن السوق العراقية تشهد ارتفاعا جديدا في قيمة الدولار لتصل إلى 1500 دينار للدولار شهدته سوق العراق للأوراق المالية للعملات الصعبة وشركات الصرافة في منطقتي الكفاح والحارثية، ومن أسباب ذلك كما كان متوقعا المضاربات داخل السوق التي تمارسها البنوك وشركات الصيرفة الخاصة ورجال الأعمال أو تحميل محافظ البنك المركزي مغبة ارتفاع قيمة الدولار في السوق على وزارة المالية، وفي ذات الوقت غياب الرقابة الحكومية على حركة الأسعار ومعدلات التضخم وعلى التعاملات النقدية التي تدخل في صلب مهمات البنك المركزي، وكل ذلك يحدث على الرغم من ازدياد حجم بيع الدولار في نافذة البنك المركزي لكن ذلك لم يحد من ارتفاع قيمة الدولار بسبب سيطرة المصارف الخاصة التابعة للأحزاب النافذة على مبيعات البنك المركزي والتصرف بها كما فعلت في الماضي لأغراض التهريب والمضاربة بذريعة  التجارة.

   ومن دون شك فإن تداعيات ارتفاع سعر الدولار على نحو ما ذكرنا والذي تبرأ منه صندوق النقد الدولي، ارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية في السوق وخاصة المواد الغذائية وضياع فرص العمل وزيادة نسبة البطالة والجرائم، والأهم من ذلك زيادة نسبة الفقر لتصل إلى 27 في المائة حسب تصريحات وزارة التخطيط، وإذا ما استمر هذا التداعي وتدهور مستويات المعيشة للمواطنين فقد ينتهي الأمر إلى التهاب الشارع العراقي وصولا إلى انتفاض مجتمعي جارف بالارتباط مع عوامل سياسية وأمنية تتصاعد مخاطرها يوما بعد اخر.

إن أمام الحكومة العراقية مهمات كبيرة وعاجلة في الجانب الاقتصادي وكأولوية ايقاف ظاهرة الانكماش في الاقتصاد العراقي الذي يتعمق يوما بعد آخر، وهذا يتم بتصوري عبر مراجعة القرارات التي اتخذت في القطاعين المالي والنقدي من خلال إعادة سعر الدولار إلى ما كان عليه خاصة بعد انتفاء مبررات انخفاض أسعار النفط بارتفاع سعر البرميل إلى 72 دولار مع توقع ارتفاعه ارتباطا بتراجع جائحة كورونا على مستوى العالم ما يكفل سد العجز في موازنة عام 2021 واتخاذ الاجراءات الكفيلة بالحد من المضاربات المالية وتشديد رقابة البنك المركزي على ممارسات المصارف الأهلية وشركات الصيرفة وتصحيح آليات بيع العملة الاجنبية ومنع استغلالها من قبل المصارف الأهلية التابعة لأحزاب السلطة .

عرض مقالات: