اخر الاخبار

بات الحوار حول الذكاء الاصطناعي، نقطة مهمة على أجندة اليساريين، لاسيما في الدول المتقدمة، حيث يتوقع أن يخلق نمواً كبيراً في سوق العمل، وأن تغطي استخداماته جميع مجالات الحياة، وأن تضيف تطبيقاته نحو 13 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي و320 مليار دولار إلى اقتصاد الشرق الأوسط، في غضون سنوات.

ورغم تعدد المواقف حوله، فقد اتفقت أغلبية اليساريين على إعتباره مصداقاً لما أكده ماركس من أن التقنية شرط لتطور قوى الإنتاج ولإنضاج الظروف المادية التي تفضي لظهور علاقات إنتاج جديدة، وكذلك لتوقعاته من أن التكنولوجيا ستصبح مصدراً رئيسياً للثروة، تهّمش العمل وتوفر وقتاً كافياً لتحرر البشر.

ولهذا رأت أطياف يسارية في الذكاء الاصطناعي أحد ممهدات بناء المجتمع الإشتراكي، لأنه وعبر قدراته الهائلة على إنجاز الكثير في فترة زمنية قصيرة جداً، سيخدم حل مشاكل عديدة، منها مثلاً التخطيط المركزي، حيث يتفوق تماماً على كل المؤسسات التي تعاملت مع هذا التخطيط. كما سيصبح تحديد الطلب من خلاله أمراً متاحاً، حتى عند غياب السوق، مما ييّسر توفير العرض المطلوب.

ويؤكد هؤلاء على أن الذكاء الاصطناعي كقوة إنتاجية بطاقات كبيرة كامنة، يتمتع بإستقلالية نسبية. وعلى الرغم من صعوبة مقارنته بالثورة الصناعية، فقد تمّكن من تغيير المجتمعات، بسبب ما وفره من موارد وما خلقه من صراع سياسي حول إعادة اقتسامها، إضافة إلى تسليطه الضوء دائماً على ما في النظام الرأسمالي من إستغلال وظروف لا آدمية، وما ترتكبه العولمة المتوحشة من تدمير متواصل للبيئة. كما أن إحلاله القوة الإنتاجية للشغيلة محل وقت العمل وعدد العاملين، كمصدر للربح، سيفضح بشكل أكبر التناقض بين علاقات الإنتاج المتخلفة وبين قوى الإنتاج المتطورة، مما يطرح بقوة مسألة حل هذا التناقض عبر الانتقال إلى الاشتراكية.

إلاّ أن من المهم التذكير هنا بأن وجود التكنولوجيا لم يك يوماً العامل الحاسم في التغيير، بل من يتحكم في هذه التكنولوجيا. وبما أن الذكاء الاصطناعي، كنتاج لتطور البحث العلمي، هو ثمرة لمنطق اجتماعي يستهدف بالأساس تعظيم إنتاج فائض القيمة، فإن إحتكار الشركات له وتحديدها لمسار تطوره ومجالات ومديات إستخدامه، سيجعله تجسيداً لما تريده الرأسمالية المعولمة، من إحلال الآلة محل العمل البشري، في الإنتاج وزيادة المبيعات وتوسيع المضاربة المالية، وتعزيز أدوات السيطرة، بغض النظر عما سيلحق بالعاملين وبالسلم الأهلي من خراب.

ولهذا لا يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي، كمنتج جديد تتحكم به الشركات، في تقريب الاشتراكية، بل سيزيد من الاستغلال، تماماً مثلما حدث، بعد تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات، الذي شكّل هو الآخر قوة إنتاجية رئيسية وجديدة خلال السبعين عامًا الماضية، لكنه لم يقربنا من المجتمع الاشتراكي أو ينهي شقاء الكادحين. إن فوضى السوق التي أعاقت تحكم البشرية بمسار تطوير التكنولوجيا واستخدامها لتلبية حاجات البشر، ووجهّت النمو الهائل فيها نحو تحقيق المزيد من الأرباح، ستفعل ذات الأمر مع أنظمةُ الذكاء الاصطناعي.

ولكي لا يحدث ذلك، يرى اليساريون، ضرورة السيطرة على الموارد والتقنيات، بما فيها الذكاء الاصطناعي، وجعلها بيد المجتمع وليس بيد الشركات الرأسمالية. إنهم يدعون لأن تكون وسائل الإنتاج خاضعة لسيطرة الناس أنفسهم، وليس حتى لسيطرة الدولة قدر الإمكان، وأن لا يحظى المال، مهما كان كبيراً، بفرصة تشكيل الأجندة السياسية وأن يُستبدل الهدف الوحيد للإنتاج الرأسمالي، ونعني به تحقيق أقصى ربح ممكن، بهدف تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، وخلق الرفاهية للجميع وزيادة الأمن، وهذا ما يّقربنا من الاشتراكية.

عرض مقالات: