في الرواية الأولى “المتعبون بلا مسيح” للفنان التشكيلي وائل المرعب، استوقفني حوار يقول فيه احدهم: “شكرا لألوانك التي شذّبت رؤاي وعلمتني أن الحياة لا زال فيها ما يستحق أن نحياه”. وهذا ما شعرت به فعلا الأسبوع الفائت، عند زيارتي بصحبة صديقتين قادمتين من لندن معرضين تشكيليين في أمسية بغدادية باردة ممطرة.
تحققت لنا متعة بصرية هائلة، ونحن نتابع بنهم نتاجات المعرض السنوي للرسم على قاعة جمعية التشكيليين العراقيين، ومن ثم الاعمال الفنية في معرض “استكماتزم” على قاعة الاطرقجي في المنصور.
ضم المعرض الأول نحو 65 عملا فنيا، تنوعت أساليب تنفيذها وثيماتها في قطاف إبداعي سنوي بتخصص الرسم، وفي سياحة ممتعة بين أروقة الجمال والفن المتجدد.
لكن كل هذا الجمال لم ينل ما يستحق من تقدير من جانب المؤسسات الرسمية حصرا، ومن قبل المهتمين الذين يقتنون الأعمال الفنية. وبأسىً حدثنا الفنان قاسم سبتي رئيس الجمعية، عما جرى بيعه من الأعمال المعروضة هذا العام، وفي اطار الدورة الانتخابية الحالية لإدارة الجمعية. إذ لم يتم بيع سوى عملين فنيين فقط من مجموع أعمال المعرض الحالي، وقبله بيعت أربعة أعمال لا اكثر من مجموع سبعين عملا في معرض النحت المتخصص، كما بيع عملان اثنان من معرض الفنانات التشكيليات، وقطعة واحدة في معرض الخزف العراقي من مجموع ثمانين قطعة معروضة. أما في معرض “طبيعة” فقد بيع ثلاثة عشر عملا بفضل اقدام الفنان قاسم سبتي نفسه، على شراء ثمانية أعمال لقاعة “حوار” الخاصة به.
ورغم الإحباط وخيبة الأمل مما يواجهه الفنان العراقي من عزوف عن الفن، وهو مصدر عيشه الرئيس، فوجئنا بالإقبال الكبير على المعرض الآخر المقام على قاعة الأطرقجي، بمشاركة 6 فنانين بأعمال رسم ونحت. وشكل الإقبال الكبير من قبل فناني المحافظات، ممن حضروا الافتتاح رغم سوء الأحوال الجوية، قادمين من البصرة والحلة وكربلاء والانبار وغيرها.
والمفرح والمميز في هذا المعرض هو مشاركة الفنان البابلي الشاب محمد الشجيري بأعمال نحتية مذهلة، جمعت البرونز والخشب والحديد ومواد أخرى. والمفاجيء في هذه الأعمال إنها جاءت من ناحية “المدحتية” التابعة لمحافظة بابل ، حيث تنتج مجموعة فنانين تدعى “ كلاسيك” متخصصة في الأعمال الواقعية الدقيقة، وقد ذاع صيتها خليجيا وعربيا رغم بعدها وعزلتها الجغرافية.
أعمال هذا المعرض رائعة ولا مجال لتفصيلها هنا، بينها مشاركة للنحات العالمي المقيم في الدوحة أحمد البحراني بلوحات رسم كبيرة باللونين الأبيض والأسود، وأعمال للفنان البصري حسن فالح التي روت بألوان رمادية كالحة معاناة السجين السياسي ومعاناته جراء التعسف والطغيان. بينما استخدم الفنان البصري الآخر حامد سعيد ألوانا مشرقة، تنبض بأمل القادم الأجمل.
في هذا المعرض أيضا لاحظت بيع عملين اثنين فقط، الأمر الذي يدفع الى تجديد الدعوة لوزارة الثقافة، كي تعود لأتباع السياقات المعروفة سابقا بشراء أعمال من قاعات العرض الرسمية والأهلية، وضمها إلى مقتنيات متحف الوزارة. كذلك تشجيع المعنيين في وزارة الخارجية على شراء الأعمال الفنية العراقية وعرضها في سفاراتنا في الخارج، الى جانب تقديمها كهدايا تمثل العراق في مختلف المناسبات.
فهل من مستجيب؟!