اخر الاخبار

بجهد حثيث وبإخلاص وتفان عكف الفنان والكاتب العراقي المغترب الدكتور جواد بشارة على تأليف وترجمة أكثر من 41 كتابا في شتى صنوف المعرفة، بتبحر الموسوعي العارف المتيقن من معلوماته، رغم عدم تخصصه في بعض المجالات العلمية البحثية الصرفة مثل الفيزياء، الأمر الذي يجعلنا نشبهه بعلماء العرب القدامى المعروفين، ممن جمعوا أكثر من اختصاص وألفوا فيها أبحاثا وكتبا.

يتمتع بشارة بخلق العلماء من تواضع جم وكرم سخي ونبل جميل، ومن كرمه تجشمه مثلا عناء إلقاء محاضرة أخيرا في قاعة “بيتنا الثقافي” بعنوان “ التجريب في السينما” لمدة ساعتين، رغم إصابته بانفلونزا شديدة وتعكر صفاء صوته، حيث أصرَّ على الالتزام بالموعد مُصرّحا: “ قررت المجيء حتى لو حُملت على نقّالة”.

هكذا هي أخلاق العلماء، سيما حين نتعرف على بعض من سيرته الذاتية التي تذكر انه حاصل على دبلوم اللغة والحضارة الفرنسيتين عام 1975، وعلى الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة السوربون، ودبلوم دراسات معمقة في النشاطات الإعلامية والسمعية والبصرية، والدكتوراه في السينما، وأخرى في الأدب الفرنسي . كتب ونشر ما يزيد عن خمسة آلاف دراسة وبحث ومقالة بين تأليف وترجمة، في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والإستراتيجية والعسكرية. وسينمائيا أنتج العديد من الأفلام القصيرة ونظَّم دورات سينمائية للشباب، فضلا عن تأسيسه شركة للإنتاج السينمائي باسم “أفلام عشتار”، فضلا عن عمله في الصحافة وفي الأدب وتأسيسه دارا للنشر باسم “بابلونيا”.

ذكر بشارة في محاضرته “التجريب في السينما” أن التجريب بدأ مع بداية نشوء السينما مثل تجريب أية ظاهرة جديدة في العالم، وأن له لغة وجمهور خاصين، معتمدا أساليب غير مألوفة في طرح الأفكار، كأن يعمل “كولاج” على شريط خام مستخدما قصاصات مهملة، معيدا إياها بطريقة فنية لا تحمل بالضرورة موضوعا أو قصة ما.. ومن أشهر تلك الأفلام فيلم طويل للمخرج جورج لوكاس بعنوان “25 ساعة”، استغرق عرضه فعليا 25 ساعة ولم يكن سوى عرض لشخص نائم طوال الوقت، وفيلم قصير جدا آخر لم يستغرق عرضه سوى جزء من الثانية للقطة واحدة تظهر وتختفي بسرعة.

في فرنسا حيث درس بشارة بدأت السينما تجريبية ثم كلاسيكية، ثم اتخذت مسارات وعناوين مختلفة منها الطليعية والمتكاملة، وكلها تعرض موضوعات نقدية تمس المجتمع، تُعرض في صالات للفن والتجربة في عروض خاصة كما في الحي اللاتيني الباريسي..

هذا النمط السينمائي كما غيره يشبّهه الدكتور بشارة بالدين الجديد، له مليارات المتابعين الذين يغذي ثقافاتهم وأرواحهم، وهو نتاج ثقافي وفكري على مستوى رفيع من المعاني الإنسانية العميقة المتمردة، التي تخاطب الناس بحرفية عالية.

محاضرة الدكتور بشارة كانت تنويرية تثقيفية غاية في الأهمية، تمنيت لو تقدم مرات على منصات جامعاتنا العراقية وكلياتها، وقد غزت أغلبها المعلومات الروتينية المكررة من دون آفاق مبتكرة جديدة.

عرض مقالات: