اخر الاخبار

وراء النجاح قصص تحدٍ درامية، تجعلنا نتوقف عندها متأملين القدرة الفائقة العابرة للصعاب، بل وللمستحيل أحيانا.

قبل أيام افتتح معهد الفنون الجميلة للبنين في الكرخ معرضه السنوي لقسم الفنون التشكيلية. بناية هذا المعهد كانت مستغلة أصلا لسنوات من قبل مهجرين نازحين. وبحسب ما يذكر مدير المعهد السيد عمار عبد الحميد، لم تكن فيها أية غرفة أو مساحة صالحة لوضع لبنات لتأسيس المعهد في العام 2021. لكن بفعل إصرار شباب الكادر التدريسي وهممهم، سرعان ما تحول المكان إلى فضاء فني مناسب للتنفيس عن مواهب شابة خام، انضمت إليه بعد اجتيازها مرحلة الثالث المتوسط.

ويبيَّن السيد المدير انه على الرغم من تأخر الدراسة في العام الأول حتى الشهر الحادي عشر، فان الكادر التدريس أصر على طرد القبح وإظهار الجمال عبر إقامة أول معرض تشكيلي للمعهد بعد مدة وجيزة، في القاعات نفسها التي شهدت مآسي النازحين ومعاناتهم في سكنهم القسري.

يضم المعهد حاليا نحو 145 طالبا، منهم 45 طالبا في قسم الفنون التشكيلية الذين أبهرتنا نتاجاتهم الفنية وقصصهم الإنسانية العميقة في الوقت نفسه. إذ زُينت جدران البناية بجداريات رسم متقنة بإشراف الأستاذ حسنين غالب، بعدما حفز عند طلبته الانفتاح على مختلف مدارس الفن الواقعية منها والانطباعية وحتى التجريدية.

ولعل الكسب الأهم هو بلورة موهبة الشاب “طالب عبد الصمد” من ذوي الاحتياجات الخاصة، المصاب بالتوَّحد والذي تفتحت مواهبه الفنية عبر رسم جداريات رائعة ولوحات منفذة بحبات البن وأخرى بقطع المرايا المكسرة.. والقصة هنا لا تتعلق بالمعهد وبجهوده حسب، بل وبوالدة الطالب التي حرصت على إيصاله يوميا رغم بعد المسافة بين منطقة سكنهما في الزعفرانية، وحتى السيدية حيث المعهد، الأمر الذي دعا الإدارة الى الالتفات لجهودها وتثمينها، بالعمل على نقلها من مكان عملها وتشغيلها في المعهد نفسه.. وهي بدورها لم تنس كرم هذا الاحتواء، بل أخذت تقتطع مبالغ من بيع لوحات ولدها في المعارض، بعد اكتسبه شهرة مميزة، لتشتري بها ألوانا وأدوات رسم للطلبة، في حالة تكافل وعرفان.

تحدٍّ آخر لمسته بإكبار وإجلال كان لمدرسة التربية الفنية “هديل جليل كاظم” التي أخرجت مسرحية دمى لطيفة بعنوان “حكاية أحمد”، لاحظتها تغني وتؤشر بيدها بسعادة بالغة، وكأنها تضم العالم كله بفرح ونشاط. عرفت قصتها بعد العرض وما تنطوي عليه من مأساة أليمة كونها ترعى زوجا مشلولا مصابا في النخاع الشوكي، بفعل عمل إرهابي قبل سنوات سبب له عجزا تاما، رغم ذلك تجاوزت هذه السيدة الباسلة محنتها، والتزمت بإشاعة الفرح بين طلبة المعهد الذي أصبح متنفسا وحيدا لها.

يستقطب معهد الفنون منذ تأسيسه في بغداد على يد الفنان محي الدين حيدر في العام 1936 وحتى اليوم، معظم المواهب في الرسم والتمثيل والنحت والغناء والخط والطباعة والتصميم، واليوم تضم بغداد وحدها نحو 14 معهدا بينما تصل أعدادها الى نحو 57 معهدا في شتى أنحاء العراق. لكن أغلبها تنقصه أمور أساسية، كهذا المعهد الذي هو بحاجة ماسة الى قسم للتصميم وآخر للمسرح. لكنه بالنسبة الى المسرح يصطدم بواقع قرار عزل الشباب عن الشابات في معاهد الفنون، الأمر الذي يعيق تدريس مادة المسرح أصلا.

عرض مقالات: