اخر الاخبار

“لا يمكننا التفرج من بعيد، وكل كلمة في أي مجال يمكن أن تصنع فرقا “. هكذا كان لسان حال الصحفية والكاتبة سارة الصراف حفيدة العلامة أحمد سوسة، التي قررت العودة للعراق من غربتها بعد ان اضطرت للمغادرة غداة استشهاد والدتها عالية سوسة دكتورة التاريخ خريجة السوربون، في تفجير مبنى الأمم المتحدة بمنطقة القناة في بغداد عام 2003 .

العلامة الحلي أحمد نسيم سوسة غنيّ عن التعريف، فهو من أقدم المهندسين العراقيين الذين تخرجوا من الجامعات الغربية، له أكثر من خمسين كتابا في تاريخ العراق الحضاري ونُظم القنوات المائية والسدود، ومئات البحوث الاخرى: مفصّل تاريخ العرب واليهود في التاريخ ، تاريخ حضارة وادي الرافديــن بجزأين ، تاريخ الري في العراق (باللغة الإنكليزية)، حياتي في نصف قـــرن (مذكرات)، سدة الهندية (باللغة الانكليزية) وغيرها. وهو أحد مؤسسي مجلس الأعمار في العام 1951، وجمعية المهندسين العراقيين ، وعضو بارز في المجمع العلمي العراقي ، تبوأ مناصب إدارية عديدة في مجالات الري والمساحة والهندسة المدنية. درس علم اللاهوت وقرر التحول من اليهودية إلى الإسلام عام 1936 وأصدر كتابه  “في طريقي إلى الإسلام”. نال جوائز محلية وعالمية، منها وسام الكفاءة العلمية من ملك المغرب عام 1976، جائزة الجامعة العربية لأحسن كتاب في العالم العربي صدر عام 1977، جائزة الدولة التقديرية في العراق، وجائزة دولة الكويت عام 1963 ..

تفرقت كتب ومقتنيات العلامة سوسة بعد وفاته في العام 1982 بين المكتبات وحيازة الأشخاص، وبقي البعض الآخر في بيته الكائن في الأعظمية خلف المجمع العلمي العراقي. وسعت الحفيدة سارة للحفاظ على الكتب والمخطوطات من الضياع، وحرصت على عدم هدم منزل العائلة رغم الضغوط الكبيرة التي واجهتها .

استضافها أخيرا الصالون الثقافي العراقي في لوس انجليس عبر منصة زووم، للحديث عن نيتها تحويل دار سوسة إلى مؤسسة ثقافية متكاملة، تجمع مكتبته وآثاره وبجهود فردية، مركزةً على دور المثقف في نشر المعرفة حتى وإن كان خارج العراق، فبالإمكان تعشيق الجهود بين المغتربين ومثقفي الداخل.

وكانت سارة صاحبة رواية “ سمعت كل شيء” ، قد نشرت عبر حسابها في الفيسبوك مناشدة قالت فيها: “قررت أنا حفيدته أن امضي بالمشروع بنفسي، التقدير والدعم الشعبي كان رائعا.. وهو الذي شجعني على عدم التخلي عن الفكرة وعلى تنفيذها رغم التحديات..إنها دعوة إلى رفض هدم بيوت العلماء في العراق ورفض التعامل معها كأنها مجرد اسمنت وطابوق وأموال..

حضي المشروع أخيرا بدعم رابطة المصارف في العراق، وهذا يعد عرفانا جميلا لذلك العالِم الذي قدم سنوات حياته لوطنه، لذلك الشاب الذي حلم بعراق واحد قويّ تجري بين نهريه نهيرات وجداول تروي الأرض والبشر، فأنجز قاموس الري في العراق، وقضى أيامه بين جدران مكتبته العامرة داخل الدار، وعندما رحل ترك للأجيال خزيناً لا ينضب من علم ومعرفة ومراجع .

عرض مقالات: