اخر الاخبار

الجُحود في معاجم اللغة هو الضد للاعتراف، والتَّصديق، والإيمان، وقيل أن الجحود هو الإنكار مع العلم، أي رفض الاعتراف بالشيء بالرغم من يقين الشخص به.

يحيلنا هذا التعريف لقضية شائكة في واقعنا الثقافي والاجتماعي بشكل عام، إذ نعيش واقعا متناسيا متجاهلا لما حققه مبدعو البلد، ممن ساهموا في بناء حاضرنا الثقافي وتشكيله في المجالات كافة. وقد طرح الموضوع أخيرا في اتحاد الأدباء العراقي بعد أمسية عرض فيها فيلم جميل بعنوان “ مطر على جيكور” للفنان العراقي المغترب جودي الكناني، أعقبته جلسة حوار ساخنة أدارها الدكتور صالح الصحن .

يتناول الفيلم جوانب من سيرة ذاتية للشاعر الكبير بدر شاكر السياب، مع تركيز مكثف على أشعاره ومحطات تنقلاته في البصرة،  وفي الكويت حيث قضى في المستشفى، ثم عودته للعراق محمولا على تابوت فوق سيارة صديق كويتي مخلص وفيّ.

رغم جمال الفيلم وتقنية تصويره العالية وحبكة السيناريو فيه، لكنه تناول لقطات سريعة من سيرة حياة شاعرنا الكبير، ألأمر الذي دعا عددا من حضور الفيلم والندوة إلى التذكير بجوانب مهمة من حياته الثقافية، وريادته في قصيدة الشعر الحر ، فضلا عن تحولاته السياسية المتطرفة، وغيرها من الأمور.

اللافت في الأمر أن الفيلم أثار زوبعة استذكار مبدعينا ورصد وتوثيق نتاجاتهم في أفلام، وربما في مسلسلات أو أعمال فنية كبيرة تتناول أكثر من جانب في حياتهم. فالسياب مثلا يمكن تناول عشرات القضايا والمحطات في سيرة حياته، وكذا باقي المبدعين ..

ولنا أن نضرب أمثلة لا حصر لها لمدى اهتمام الغرب على نحو خاص بمبدعيهم وتخليدهم بوسائل شتى. ففي زيارة سياحة لي الى مدينة سالسبورغ النمساوية، هالني مستوى الاهتمام بالفنان الموسيقي الكبير فولفغانغ موزارت. فلم تكتف المدينة بتقديم عروضه الموسيقية المتواصلة طيلة العام، بل وضعت بوسترات له بمختلف الأحجام في كل الأماكن (لا توازيها عندنا سوى صور وبوسترات مرشحي انتخابات مجالس المحافظات هذه الأيام!”. كما أقامت له تماثيل ودمى من التذكارات السياحية وزخرفت صوره على الأواني وحتى على قوالب الحلوى و”الشكولاتة”.

وفي باريس حضرت عرضا فنيا رائعا لمطربة كبيرة السن، تقلد صوت فنانة الشعب الفرنسية “أديث بياف”، تقدمه منذ عقود في مقهى شعبي بسوق يسمى “سوق البراغيث”، يشبه سوق الهرج عندنا لما يحتويه من أثاث عتيق وانتيكات. والمثير في المقهى أن جميع نادلاته لا تقل أعمارهن عن السبعين عاما، وحين سألت عن السبب قيل لي أن صاحب المقهى، وهو جزائري أو مغربي الأصل، لم يفرّط بهن وقد افتتح بمعيتهن المقهى منذ أكثر من 50 عاما (يا للوفاء!). وعدا ذلك لابد من التذكير بثلاثة أفلام روائية وغيرها العشرات من الأفلام القصيرة التي تحققت عن سيرة الفنانة أديث بياف، رغم واقعها الاجتماعي الرث، فلا أهل لها ولا أصل او فصل وقد تخرجت من ملاجئ باريس، ولو كانت عندنا لسُحقت تماما وإن امتلكت حنجرة ذهبية.

عرض مقالات: