لعل من أبرز ما يستذكره الشيوعيون، وهم يستعيدون الأوقات المشبعة بالثقة والتضامن الرفاقي، التي عاشوها في مثل هذه الأيام من عام 2021، حين انعقد المؤتمر الحادي عشر للحزب، التحديد الدقيق لطبيعة السلطة القائمة، كممثل للفئات البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية، التي رسخت الطابع الريعي للدولة وعطلت الإنتاج الوطني، بشقيه الزراعي والصناعي، وأقامت “ديمقراطية” توافقية، تقاسمت فيها عائلات وشخوص، الحكم والثروة، مما فاقم الإستقطاب وعمق الفرز الطبقي والاجتماعي وشدد من مظاهر الإستبداد الخفي وأضعف هيبة الدولة وقوانينها، ورفع معدلات الفقر والبطالة والأمية، وأضّر بالسلم وبالهوية الوطنية الجامعة، وأوقع البلاد في أزمة بنيوية شاملة. وكيف ساعد هذا التحديد الصائب على فهم التشكيلة الاجتماعية وفي وضع حلول لمختلف مشاكل البلاد، وصياغتها في برامج عمل واضحة.

كما يستذكر الشيوعيون كيف مثّل المؤتمر فرصة ثمينة أخرى لهم، لمراجعة الفكر والتنظيم والعلاقات والأعراف، بثقة وآناة، وللمزيد من اتقان فن الإنصات للأخرين، صحباً وخصوما، والقناعة بأن ودّ الرفقة وصدقها لن يفسدهما الخلاف. وكيف كان فرصة لتنظيم الأولويات، وتجنب أية اوهام عن حرق المراحل وإستنساخ تجارب عظيمة حدثت في التاريخ، في ظروف وإشتراطات مختلفة، سواء حققت أهدافها أم لم تحققها، وتدقيق فكرة التركيز على قضايا الديمقراطية والحقوق المدنية والكفاح بلا هوادة ضد أي شكل للقمع والانتهاكات الدستورية والاستغلال الطبقي.

كما يحق للشيوعيين أن يفخروا بمواصلة المؤتمر لعملية التجديد، التي ابتدأها الحزب قبل ثلاثة عقود، حين أدامها بشبيبة ترفع الراية وتواصل المسار. وكذلك بتمسكهم بالجمع بين وحدة الإرادة والعمل وبين الحوار الفكري الفاعل، لأنهم أدركوا بأن أي اخلال في هذا الجمع، سيتعارض مع التجديد باعتباره تطلعاً حراً للمستقبل، ومع جمود “المسلمات”، الذي يمكن أن يغشي الأبصار، فتعجز عن رؤية أية شقوق بجدران الفكرة.

ورغم أن هذا الجمع لم يك يسيراً يوماً، فأن أكثر ما يبعث الأمل بمستقبل هذا الحزب ويشعرنا بالغبطة من الانتماء لمدرسته، صبر الشيوعيين الذي صار أمثولة للآخرين، وقدرتهم المتميزة على التغيير، والتي جاءت من التوازن الذي خلقوه بين حماسهم لتجاوز محنة انهيار التجربة الاشتراكية ومواجهة حملات تشويه شريرة وظالمة، أرادت أن تبث في العقل بعضاً من اللايقين وفي الروح بعضاً من قلق وغموض، وبين حاجتهم للتحديق في ظلام الإعصار كي يبصروا الطريق، بعد أن أريد لمفاهيم التجديد أن تختلط بمغريات الإنحراف والنكوص.

وكان بديهياً أن يحّفز ذلك الشيوعيين على تكييف نشاطاتهم بما يّؤمن لهم تواصلاً أفضل مع الجماهير، ويمكّنهم من تنظيمها لتعيش حياة أفضل، ويعزز صلتهم بكل الخيرين ممن يقفون ضد المحاصصة والفساد ويريدون بناء نظام ديمقراطي يحقق عدلاً في توزيع الثروة، وأن يواصلوا العمل بثبات لإنتزاع حقوق العمال والكادحين من المستغلِين واسيادهم، وتنشيط العمل النقابي ومنظمات المجتمع المدني، مهما كان مستوى الثقة بها، وجذب إنتباه وتأييد الطبقة الوسطى، والشباب منها بشكل خاص، وبذل كل ما هو ممكن لكسر سلبيتهم وترددهم وتعبئتهم في ساحة اليسار، خاصة بعد أن تطور وعيهم السياسي عبر تجربتهم المتميزة في إنتفاضة تشرين وما رافقها من حراك اجتماعي.

في ذكرى المؤتمر، تبقى الجرأة في الكفاح من أجل حقوق الناس والإلتزام بقيم اليسار، الحرية والعدالة، صفة جُبل عليها الشيوعيون وصارت نبضاً لا يهدأ في عروقهم.

عرض مقالات: