اخر الاخبار

في ستينات القرن المنصرم ، وحينما كنّا صغاراً ، كنّا ننتظر العيد بلهفةٍ وترقّب ، رغم فقر الحال نجمع مصروفنا اليومي طيلة شهر رمضان ، وتغسل أمهاتنا ملابسنا لنضعها  تحت الفراش كي تكون مكواةً ، وما أن يطل صباح العيد حتى نهرع لآبائنا نقبّل أياديهم ونهنئ الآخرين حاملين عيديتنا فرحين بما منحوه لنا وما ادّخرناه ، ونطوف على الأقارب والجيران لنتجمّع نحن الفتيان ونذهب في إحدى عربات الخيل  أو باصات الخشب إلى مركز المدينة ، نلهو ونمرح في ساحة الدواليب ، حيث الألعاب البدائية البسيطة المتنوّعة (دواليب الخشب ، الفرّارات، تحت وفوق السبعة، الحلقات ، سباق الخيل ( الحصن / الحمير )، مع تلذّذنا بلفّات العمبة وخبز العروك والببسي والسينالكو وكراش كولا والفانتا وغيرها)!

كانت فرحتنا لا توصف أبدا ، نحكي عن العيد وما فعلناه فيه أياماً وليالي ، حيث البيوت تعبق برائحة البخور مزدانة بأجمل ما فيها من سجّادات وبسط وستائر وجودليات!

عدتُ لتلك الأيام الجميلة رغم بساطتها وعفوية الناس وبراءتهم ، حيث طيور المحبة والإلفة والفرح ترفرف في فضاءات  القلوب والنفوس !

وما أن جاءت الثمانينات ، حتى بدأ العدّ التنازلي للفرح، وخيّم الخوف والموت والحزن والكآبة على كل مكان وروح، حروب واعتقالات وإعدامات وتشريد وموت لتستمرّ مروراً بتسعينات الحصار والقهر وصولاً إلى سنوات كنّا نتأملها ونترقّب هلالها وقدومها بفرح لا مثيل له ، لكنّ الفرحة ماتت في النفوس وصارت غصّة  ، وعشّش في القلوب والأرواح الحزن والأسى ، طائفية مقيتة ومحاصصة  شرعنت للفساد أبوابا ، وإرهاب وموت مجانيّ ، وفساد استشرى في كل مكان ، حيث ارتفع الخطّ البيانيّ للفقر والموت والكراهية رغم الموازنات الانفجارية وأسعار النفط الخيالية!

انعدمت الزراعة وتوقّفت المصانع عن الدوران فبتنا نستورد قنينة ماء الشرب ، وتدهور التعليم وارتفعت نسبة البطالة وتفاقمت الأزمات المتتالية ، مع كثرة الأمراض والأوبئة التي تفتك بالناس !

أصبح العيد بلا طعم ولا لون ولا نكهة أبدا ، غابت الفرحة والضحكة والإلفة وأيام اللعب والمرح وليالي السمر والحكايات ، فصرنا نتبادل التهاني الجاهزة صورياً والجامدة شعورياً بلا أدنى إحساس بالفرح والسعادة ــ إسقاط فرض فقط ــ !

أعيادنا لم نشعر بها لكثرة الطعنات والنكبات والأحزان، حيث النفوس اعتلاها الصدأ، وعبثت بعض الأفكار بها فانعدم مفهوم التسامح وضاعت المحبّة في مهبّ الأقاويل والأراجيف!

يا للعيد الذي يأتي ويذهب دونما طعم ، ويا للأزمان ، كيف تدور وتلفّنا بعجلتها عندما يُسْرَقُ من نفوسنا الفرح ؟!

عرض مقالات: