اخر الاخبار

سُئل أرسطو عن تعريف الجمال فقال” دعوا هذه المسألة للعميان”.

وبدوري أشّبه الموضوع على أهميته باستقرار الحالة النفسية والشعور بالأمان وتلمس جمال الأشخاص والأشياء، في ارتباطه بقضية الحيازة على سكن مناسب له ولعائلته، حتى وإن تكوّن من غرفة واحدة سواء كانت مستأجرة أو مملوكة. فالسكن باختصار يعني “الوطن”، وأسالوا عنه من لا يملكه ولا حتى يستطيع استئجاره.

مناسبة الحديث هنا هي ما أشيع في الفترة الأخيرة في بغداد، بنحو خاص، من ظاهرة توفر شقق سكنية مؤثثة في مناطق تفتقر الى مقومات السكن الباذخ، لكنها تعرض بمبالغ خيالية تصل الى ما يتراوح بين 1300 و 1500دولار شهريا، وعادة ما يصطاد أصحابها العراقيين القادمين من الخارج، سواء لغرض السياحة أو للقاء الأهل والأصدقاء أو لأداء عمل ما يتطلب تواجدهم لفترة قصيرة.

ما يحزّ بالنفس أن أغلب هؤلاء المهاجرين من العراق قسرا ولأسباب معروفة، يرغبون في العودة والاستقرار في بلدهم، خصوصا منهم من تقدم به العمر واعتبرها فرصته الأخيرة للعيش ببلده بدلا من أن يدفن في الغربة. لكن - وهنا “بيت القصيد” – تنعدم لدى أغلب القادمين وخصوصا من “رفاقنا” الذين غادرونا في سبعينات القرن الماضي ، فرصة الحصول على سكن مناسب. وحتى من تبقى لهم من أهل أو أقارب أو أصدقاء، قد لا تسمح لهم ظروفهم بالاستضافة، الأمر الذي يضطرهم للبحث عن سكن بديل، ولو لمدة قصيرة ، سكن مناسب لهم بمداخيلهم المعتمدة أساسا على المساعدات في بلدان الهجرة. لكنهم سرعان ما يتفاجؤون بارتفاع أسعار غرف الفنادق المتواضعة إلى معدل 100 دولار يوميا، الأمر الذي قد يشكل حاجزا قويا وسببا رئيسا لترددهم في القدوم إلى العراق.

في أغلب دول العالم وحتى الفقيرة منها، تتوفر بنايات سكن تعرف بـ “بيوت الشباب”، توفر للزوار فرص إقامة لمدد قصيرة مجانا أو بأسعار مخفضة. وهذا ما ينعدم عندنا للأسف. وعدا ذلك ورغم ما تشهده بغداد على نحو خاص من حملات إعمار لمجمعات سكنية في أغلب مناطقها، فانها تعرض بأسعار خيالية فيعجز عن شرائها متوسطو الدخل أو المتقاعدون.

إذن نحن في مواجهة محنة حقيقية تضاف الى محننا التي لا حصر لها، والتي تتطلب تعاونا مشتركا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وحتى مع منظمات المجتمع المدني، لإيجاد حلول مناسبة لمشكلة السكن اللائق للضيوف من أهلنا ممن فارقونا منذ عقود وآن الأوان لعودتهم ثانية لأحضان الوطن, بل لعل الكثيرين منهم يطمح الى توفير أوراق ومستلزمات تقاعد مستحق محترم له، مع إصراره على الحصول على البطاقة الموحدة، حتى وإن رجع الى وطن الاغتراب ثانية.

 وقديما قيل “الإنسان يحيى عبثا إذا لم يبنِ بيتا، أو يَعقب ولدا، أو يَضع كتابا”.

عرض مقالات: