يُحكى عن رجلٌ من يثرب اسمه عرقوب يضرب به المثل في عدم الايفاء بالمواعيد ، حيث يقول دائما ما لا يفعل. هذا الرجل صار مثلاً لكلّ مَنْ يعطي وعداً ويحنث به ، أو لا يلتزم بما يقول من كلام، بل يختلق الأعذار والحجج ويجعل من الأزمات شمّاعة لتسويف ما وعد به وبكلّ ما يستطيع من حيلة وكلام منمّق ومعسول !!
رغم مرور مئات السنين على رحيل عرقوب هذا، الاّ أن أفعاله ومواعيده أضحت دروساً يأخذ بها من يركبون زوارق السياسة ويحلمون بالمناصب، سواء في العالم بشكل عام أو في بلادنا بشكل خاص. انهم يطبّقون المثل بكل دقّة وكأنهم تلاميذ بررة ومخلصون له في كل وقت، حيث تراهم في كل دورة انتخابية يزرعون الدروب رياحين وجلّنارا، وينثرون العطر والأماني الوردية في كل نفس ليجعلوا المواطنين يعيشون في حلمٍ لا مثيل له حتى في الأفلام السينمائية !!
وعودهم وتصريحاتهم تنصبّ في بناء وطنٍ خالٍ من الفاسدين ، ينعم بالرخاء والاستقرار وجودة الخدمات، من بلدية ومجاري وصحّة وعمران وسكنٍ لائق ومستوى عالٍ للتعليم في كل مراحله، مع القضاء على البطالة ودعم الصناعة والزراعة والتجارة والثقافة والرياضة وكل مفصل من مفاصل الحياة !!
تصريحاتهم الناريّة وبرامجهم الانتخابية - اذا كانت هناك برامج - التي تُتلى في كل لقاء اذاعي أو تلفازي أو أمام جمعٍ من المواطنين لكسب أصواتهم، تجعل هؤلاء يتساءلون عما يسمعونه وما عاشوه أو يعيشونه طيلة السنوات هذه، والذي تصدّعت به رؤوسهم فيما لم يتغيّر شيء أبدا ، بل من سيّء الى أسوأ، وهم يردّدون: وما مواعيد عرقوب لها مثل !!
لقد أصبحت الدعاية الانتخابية عندنا كمواعيد عرقوب للأسف، توجع رؤوسنا وتشغل عقولنا دون أدنى فائدة، ولا تحقيق لوعد ، اذ ما أن تطأ رجل المرشّح بعد فوزه عتبة باب المجلس ( البرلمان، المحافظة ) حتى يرمي بكل ما أعطاه من وعودٍ في سلّة المهملات مع اول ورقة يكتبها ويمزّقها، قائلاً في قرارة نفسه: مالي وما للناس !
النجاح يا سادة بالانتماء الحقيقي للوطن والناس من خلال العمل الجاد والمخلص والنزيه والعشق الأزلي للأرض، وليس العمل من اجل المصلحة الشخصية والفئوية الانانية!!
علينا أن نعي دائما أن المواعيد العرقوبية سينكشف زيفها، وسيعرفنا الناس على حقيقتنا، وبالتالي نخسر كل شيء، وان كل ما حصدنا لأنفسنا ستذروه الرياح بعيداً !
الدعاية الانتخابية الحقيقية هي أن نعد قبل الفوز بما سنطبّق بعد الفوز، بعد جلوسنا على الكرسي متمتعين بمحبّة الناس ورضاهم !!