اخر الاخبار

الجمعة التي مرّت اختتمنا مهرجان طريق الشعب بنسخته الثامنة وسط لوحات من المحبّة والجمال والألق ، هتفنا للوطن وتضامنّا مع غزة وشعب فلسطين الشقيق ونثرنا ورود المحبّة والبهجة.

كما كانت انتفاضة تشرين معنا حاضرة بكل عنفوان الذكرى. ردّدنا هتافاتها واناشيدها الرائعة التي صارت ايقونة على مرّ الأيام ،، وكان مطلب “نريد وطن” اللازمة لكل نشيد. هذه الصرخة التي ظلّت تُردد في الساحات، وفي كل مكان، والتي أضحت على لسان كل متظاهر نزل يطالب بحقّه في العيش الكريم، على أرض دافع عنها هو وأخوته وآباؤه وأجداده، يوم أطبق الظلام على سمائها وهجمت خفافيشه تريد امتصاص دمها!

نزل في تلك الأيام الى الساحات فيما انفجرت صرخته كالبركان يقذف حممه على رؤوس الفاسدين وسارقي أعمار الشباب.

قد يطرق أذهان البعض سؤال :  لماذا يريدون وطنا .. وهذا الذي يقيمون فيه الآن هو وطنهم ؟

والجواب: نعم، هو وطنهم، لكنهم لا يشعروا به كذلك أبدا!

الوطن يعني الحضن الدافئ، والقلب الطيب، والروح السامية الخلّاقة، والعنوان، والشموخ، والمَحنّة، والانسانية، والكبرياء، والراحة، ورغد العيش، والسكن اللائق، وفرص العمل، واحترام الذات، والأمن والأمان، والسعادة في كل مكان!

كل هذه لم يحظ بها الشباب لحظة واحدة، لهذا فقدوا الإحساس به، وباتوا يحلمون بوطنٍ يشاهدونه عند الآخرين عبر الإنترنت والفضائيات وكرنفالات الفرح في كل مكان خارج الحدود!

أحلامهم لم تتعدّ الأرض التي ولدوا عليها، وسمعوا عنها الحكايات الكثيرة من جدّاتهم وأمهاتهم، وحينما فتحوا عيونهم وعرفوا أن هذا الحلم سراب، فانتفضوا صارخين : نريد وطناً!

وكم هي مؤلمة حقاً هذه الصرخة، يوم انطلقت وحين سمعناها من فم شابٍ وفتاةٍ لم يبلغا الحلم بعد؟!

الأعم الأغلب من المتظاهرين في تشرين كانوا شبابا لم تبلغ أعمارهم الخامسة والعشرين، بل منهم من لم يبلغوا الثامنة عشر عاما، ولم يبصروا شيئا من الوطن الذي سمعوا وقرأوا عنه، فأحسّوا بضياعهم، وضياع كل شيء جميل في حياتهم، بل ضياع حياتهم كلها. وواجهوا الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيّل للدموع بصدور عارية، مرددين قول الشاعر محمود درويش : مَنْ ليس له وطن ، ليس له كفن!

ولأجل أن يمسكوا بحبل نجاة قبل أن تغرق السفينة نهائيا، خرجوا للساحات يطلبون وطناً.. وطناً يليق بهم ويليقون به، وطناً يحنو عليهم ويضمّهم بين جناحيه قبل أن يتشرّدوا لاجئين في بقاع الأرض، وطناً حلموا به منذ نعومة أظافرهم!

ان على الجميع أن يقفوا معهم بكل ما يريدون، والمسؤولية الكبرى تقع أولا على مَنْ يقود البلاد والسلطة العليا ، وعلى كل ذي عقلٍ حليم ثانيا. عليهم أن يعوا المسؤولية هذه ويفتحوا قلوبهم قبل مكاتبهم للشباب، ويبدأوا بتصحيح الأخطاء التي أودت بالبلاد الى الخراب قبل أن تكون الهاوية، كي يشعر الناس جميعاً بأن ثمّة وطناً يقيمون فيه ، بعيداً عن الحرمان والقهر والمطاردات وسفك الدماء البريئة. علينا أن ننمي الإحساس بوطنٍ حرٍ يعيشون على أرضه بسلام وسعادة وهناء وعيشٍ رغيد ..

وكل مهرجان لطريق الشعب ونحن نهتف وننشد دائما .. للوطن والناس .

عرض مقالات: