بين فترة وأخرى، يرسل لي صديق قديم، ترك الوطن منذ خمسة عقود، مستفسراً عن حالي وحال البلاد. لم ترق له كما يبدو، إجابتي الأخيرة على رسائله، فكتب لي يسأل، ماذا تريدون ايها الشيوعيون؟ وإلى متى تبقون ترددون شعاراتكم “الخيالية” حتى بعد “انهيار” الإشتراكية؟! ترددت قبل أن أجيبه، إذ رأيته يستنسخ في رسائله ما يشيعه أعداء الإنسانية ضد اليسار، وهو هائل ومشبع بالكراهية والحقد والتضليل، لكني حسمت أمري وكتبت له موضحاً بكل التسامح، الذي جُبلت عليه أجيال الشيوعيين وجميع أطياف اليساريين.

نحن ياصديقي، نريد عالماً تسوده معادلة الحرية والعدالة، التي ينفي غياب اي من طرفيها الطرف الأخر، فلا حرية في ظل الإستغلال ولا عدالة في ظل القمع والعبودية. نريد مجتمعات تضمن العمل والمشاركة للجميع، ويعاد فيها توزيع الثروة بما يضمن أنظمة عادلة للعمل المأجور ودخلاً متساوياً للأعمال المتشابهة، وتُخفض فيها ساعات العمل لتضمن للعاملين اوقاتاً يُشبعون بها حاجاتهم الروحية، على أن تُشرك الشغيلة في الإدارة كي نضمن دمقرطة الحياة الاقتصادية، وتُشرك في الأرباح ليعود اليها شيء من فائض الإنتاج الذي تخلقه.

وكي تتاح للجميع رفاهية في العيش، نريد مجتمعات تبقى فيها الخدمات الأساسية كالمدارس والمستشفيات ووسائل النقل والكهرباء والماء وغيرها، ملكية عامة خالية من الإستغلال واللهاث وراء الربح. نسعى لتحقيق تقدم علمي، يعزز التنمية الاقتصادية، ويسمح بتغيير مستمر في علاقات الإنتاج، نحو انماط أكثر عدالة دوماً، وتُّنوع فيها أشكال الملكية، عامة وتعاونية وخاصة، لاسيما إذا بقيت هذه الملكية الخاصة متوافقة مع التبادل السلمي للسلطة، ومقتنعة بأن تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام بين البشر وحماية البيئة، أهداف انسانية، تستحق أن تضحي من أجلها بشيء من ارباحها.

نريد خدمات صحية متطورة وتعليماً متقدما ومجانياً ومتاحاً للجميع. نريد مجتمعات ليس فيها تمييز، بل مساواة حقيقية بين المرأة والرجل. نريد ابداعاً يُعمل العقل في الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل وينمي الوعي ويفتح المدى لطهارة الروح والقيم.

نريد ضمان حقوق الإنسان، كاملة غير مجتزأة كما يفعل ادعياؤها من الشموليين، وعالمية تشمل جميع البشر، وليست خاصة بذوي “الدماء الزرقاء” كما يفعل الإمبراليون. نريد تكافؤا في العلاقات بين الدول، متقدمة كانت أم نامية، بين شعوب الأرض، صغيرها وكبيرها.

نريد عالماً بلا رأسمالية، بعد أن اثبت التاريخ عداءها لحرية الإنسان وسعادته، بسبب جوهرها القائم على الإستغلال والظلم، وتهديدها للسلام بين البشر جراء ما تشعله من الحروب، أصيلة أو بالوكالة، وخطرها على الحضارة ومستقبل الأجيال نتيجة لتخريبها البيئة.

هذا ما نريد يا صديقي، فهل فيه ما يخالف العدل والحق والشرائع وأحلام البشر؟ أليس كله بعيد عن الخيال، وحقيقي كالهواء الذي نتنفس! اتمنى أن تقرأ ياصاحبي بعقل متفتح، كما فعلتُ مع رسائلك، لتصل إلى الحقيقة، فلم تك موفقاً حين رددت ما يقولوه عن انهيار الإشتراكية، لأن ما انهارت لم تك الفكرة، بل إحدى تجارب تطبيقها، جراء تظافر عوامل كثيرة، من توقيتات خاطئة وبرامج غير مدروسة وتلكؤات في التطوير المعرفي للناس، إضافة إلى صراع غير متكافئ مع الرأسمالية، التي ولدت تقطر دماً وقذارة، وسعت لتبقى جاثمة على صدر البشرية، ولو إلى حين.

اتمنى أن تكون قد أدركت ماذا نريد، لأنك ستكون بالتأكيد على ضفتنا نحن، خاصة إذا ما التفت بوعي، وابصرت شرور الرأسمالية من حولك، في البلاد التي تقطن فيها، والتي يصيبنا نحن من شررها الكثير من العذاب. 

عرض مقالات: