اخر الاخبار

يمكن القول إن مفهوم الإصلاح الاقتصادي هو عبارة عن عملية فنية في الشكل والمحتوى، غير أن هذا المفهوم يحتاج إلى فلسفة تعتمد الإرادة السياسية بالدرجة الأساس شريطة موافقة الشرائح الاجتماعية الأكثر حاجة إلى الإصلاح الحقيقي الذي يحقق مصالحها في نهاية المطاف وبعكس ذلك فإن أي تردد في إنجاز هذه العملية سيؤدي إلى انقسامات مجتمعية وأفشال الإصلاح إن لم نقل موته سريريا وفي أفضل أحواله تحوله إلى ترميم بعض تشققاته من خلال  تعديلات تشريعية غير جوهرية،  ومن هنا يجدر القول إن الإصلاح الاقتصادي المتصور هو عملية اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية شاملة لجميع القطاعات الإنتاجية  والخدمية .

وجدير بالتنويه أن فكرة الإصلاح الاقتصادي التي شهدت رواجا إعلاميا أكثر مما هو عملية ممنهجة بالنسبة إلى حكومات بعد عام 2003 التي طالما تحولت إلى رطانة سياسية لهذه الحكومة وقواها السياسية الفاعلة، كانت في حقيقتها عبارة عن مشروع مرتبط ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الهادف إلى تصحيح الإصلاح الاقتصادي موضوع الرطانة التي أشرنا لها  وهدف البرنامج تحديدا هو  الحد من الفقر الآخذ في الاتساع بعد تحولات سياسية دراماتيكية شهدها العراق، من خلال وضع استراتيجيات  النمو والنزاهة ومكافحة الفساد على أن يقدم المشروع المشورة الفنية لدعم مبادرات الإصلاح الذي تحدثت عنها الحكومات المتعاقبة على استحياء ، من خلال نقل الخبرات الدولية  في مجال الإصلاح الاقتصادي  ويجري ذلك  بالتعاون مع وحدة الإصلاح الاقتصادي في مكتب رئيس الوزراء العراقي التي أنشئت بدورها  بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى عبر خطوات تتمثل في وضع استراتيجيات حكومية لتطبيق موازنة برامج في إطار مالي متوسط الاجل بما يعزز ضبط الموازنة وزيادة كفاءة انفاق المال العام  والتركيز على تحسين نظام الموازنة  وتنمية القطاع الزراعي وتحسين الخدمات العامة والاجتماعية فضلا عن تشجيع وتعزيز قدرة المؤسسات العامة على اتخاذ تدابير واقعية لمكافحة الفساد من خلال الية للإبلاغ الذاتي تأخذ مؤشرا وطنيا لمكافحة الفساد  وتعزيز قدرات التحقيق والمراجعة المكلف بمكافحة الفساد ومنع وقوعه .

بيد أن عملية الاصلاح الاقتصادي وهي عملية طويلة، تتطلب الكف عن التصريحات الديماغوجية التي مارستها الحكومات السابقة، التي انتجت الفقر والفساد والإرهاب، وإنما اعتماد سلسلة من التشريعات وإجراءات عملية ملموسة وذلك بإعادة رسم استراتيجية اقتصادية تنموية مستدامة واضحة الاهداف والبرامج وقائمة على معطيات وبيانات دقيقة تأخذ بالاعتبار التحديات القائمة وكيفية معالجتها، والابتعاد عن الايدولوجيا في رسم هذه السياسات والخطط وإنما الواقعية والعقلانية والموضوعية في تحديد حاجات الاقتصاد، والتركيز على القطاعات الاقتصادية السلعية ، الحكومي والخاص والمختلط ، وإيجاد مصادر جديدة لتمويل الموازنات العامة والاهتمام بسوق العمل وتنظيم عملية التشغيل وحركة العاملين بين القطاعات الاقتصادية على طريق معالجة ظاهرة البطالة المستفحلة وخصوصا بين الشباب والنساء، والسعي لتوفير البيئة المناسبة لتنشيط الاستثمار، القانونية والتشريعية والاقتصادية واللوجستية، وإعادة النظر في النظام المصرفي القائم بما يسهم في تنشيط عمليات الاستثمار ومحاربة إجراءات المضاربة التي قادت في نهاية المطاف إلى اضعاف قيمة الدينار العراقي  وغسيل الأموال التي تمارسها المصارف وخاصة الأهلية منها  وكشف المصارف العائدة للأحزاب الحاكمة التي لعبت دورا في تهريب العملة الصعبة إلى الخارج وتشديد الرقابة عليها من قبل البنك المركزي. ولا تفوتنا الإشارة إلى ضرورة توزيع الدخل بشكل عادل بين المواطنين عبر الموازنات العمومية كأدوات فعالة في تحقيق هذا الهدف، والعمل على تنمية البحوث الاقتصادية، والتوصيات الصادرة عن المؤتمرات الاقتصادية التي تنظمها الجامعات ومنظمات المجتمع المدني الداخلية والخارجية والاستفادة منها في رسم السياسات الاقتصادية. إن الاهتمام بهذه الاصلاحات سوف تعمق من محتوى الحزم الاصلاحية التي تتكرر في كل برنامج حكومي او التي ستتخذ في المستقبل والتي من شانها خلق تحولات حقيقية في شكل النظام السياسي القائم، على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية ربما لم نحض بها في القريب العاجل.

عرض مقالات: