اخر الاخبار

في الثلاثين من أيلول من كل عام، ذكرى صدور أول قانون للإصلاح الزراعي، تزدحم في الرأس ذكريات ملتبسة. صورة فتى رفض تقبيل قدمّي الشيخ، فاستحال جسده مغلاقاً لساقية الحقل، وأخرى لشاب وضعوا في (سرته) بيضة، ليتعلم عليها (المَحَفوظ الصغير) الصيد، ببندقية (الصجم) الإنكليزية الصنع. صور لعشرات الحفاة وشبه العراة، من أترابي في المدرسة الإبتدائية التي دخلتها لأول مرة في تلك الأيام، وهم يهتفون بحس طبقي فطري، لثورة 14 تموز، للخلاص من عبودية الاقطاعيين وجورهم، ولعودة الأرض إلى آبائهم الفلاحين، بعد أن اغتصبها منهم المستعمر ومنحها للشيوخ والأغوات. صور شتى، كانت دليلي للشيوعية فيما بعد.

وطيلة 65 عاماً مضت، خضع القانون كغيره من منجزات ثورة تموز لدراسات عديدة، ووجهت له نقود من محّبين ومبغضين، لاسيما وأن المسألة الزراعة، شكلت دوما معضلة لليسار. فرغم ماكتبه ماركس عن تطور الفلاحة في بروسيا وحواراته عن تحالف العمال والفلاحين، والتي استكملها انجلس فيما بعد، رسمت كتابات لينين حول تطور الرأسمالية في الريف الروسي، أول خارطة طريق لحل المسألة، عبر تغيير جذري في ملكية الارض، وتبني استراتيجية شاملة للتنمية الثقافية والاجتماعية في الريف، وإيجاد حل يضمن علاقات انتاجية جديدة في الزراعة، وذلك لإنجاز الثورة البرجوازية الديمقراطية في البلدان التي يمثل الفلاحون، أغلبية كادحيها.

وشكلت السياسة الزراعية المرنة التي عمد لها البلاشفة، مثالاً مهماً في تحقيق التكامل بين المدينة والريف، وضمان الأمن الغذائي، ومنع خراب الأراضي الزراعية ورفع الإنتاجية وتأمين دخل مقبول للفلاحين، وتأسيس آلاف التعاونيات والمزارع الجماعية وأُتباع انجح استراتيجية للتكامل الصناعي الزراعي. ولعلي لا أجافي الحقيقة إن قلت بأن المسألة الزراعية لم تك من بين عوامل النكوص التي أدت إلى انهيار الاشتراكية هناك، ودليلي على ذلك، نجاح تطبيق ذات السياسة السوفيتية في الزراعة التعاونية، في بلدان أخرى كهولندا والسويد وفلسطين المحتلة وغيرها.

وفي العراق، واسترشاداً بالفكرة، سعى الشيوعيون وكل اليساريين، لرسم سياسة زراعية تستجيب لواقع بلادهم، وتهدف إلى تصفية العلاقات شبه الاقطاعية السائدة في الريف، ومواجهة علاقات الإنتاج الرأسمالية التي ستحل محلها، بجبهة نضالية، يكون تحالف العمال مع فقراء الفلاحين طليعتها الفاعلة، مدركين بأن التداخل الجلي بين ملاكي الأراضي والبرجوازية الوطنية، قد أفقد الأخيرة القدرة على إنجاز إصلاح زراعي حقيقي، وهو ما أثبتته التجربة طيلة العقود الماضية، خاصة في التخريب المتعمد الذي شهده تطبيق القانون، والذي لم يؤد إلى تفريغه من محتواه فحسب، بل وفي الوصول إلى نتائج مأساوية معاكسة لأهداف القانون ومشرعيه والمدافعين عنه. 

وتضمنت سياسة اليسار وفي طليعته الشيوعيين، تشجيع العمل التعاوني في الزراعة والتسويق والإنماء الريفي، والإستفادة من تقاليد ريفنا المتميزة (كالعونة والشبّة والفزعة)، في إشاعة ثقافة التخلي التدريجي عن العلاقات الإستغلالية، لصالح ملكية جماعية للتعاونية أو المزرعة وتوابعهما.

وفي ظل الفرز الطبقي الشديد، الذي شهده ويشهده الريف، واتساع رقعة الفلاحين الفقراء والاجراء، وتخلي قطاعات واسعة منهم عن مهنة الفلاحة، عبر الهجرة إلى المدن أو التحول لفئات هامشية، يواصل الشيوعيون ذات الكفاح العنيد، لتعزيز وحدة العمال والفلاحين مع كل شغيلة اليد والفكر، ويطرحون برنامجاً زراعياً متميزاً، من أبرز معالمه دعم الحركة التعاونية في الإنتاج والتوزيع والتسويق والمكننة وتطوير القوى المنتجة في الريف وتحقيق التكامل بين الزراعة والصناعة.

وردة حمراء، لفلاح استلم سند تمليك أرض من الاصلاح الزراعي، ومازال هو وأولاده ينتجون منها قوت يومهم. 

عرض مقالات: