اخر الاخبار

 عززت إمبراطورية الاتصالات وأعاصيرها المعلوماتية في شبكاتها الاجتماعية وعوالمها الافتراضية شعار المستقبل “ تَغيَّر أو اندثر” أو “ تَأقلم أو اندثر” . ووفق هذا المفهوم لابد من تأشير ظاهرة إعلامية بارزة ظهرت في قنواتنا التلفزيونية وفي برامج الشبكة العنكوبوتية  تجسدت بفعاليات وبرامج مجموعة شبابية يصح وصفها بقيادة ثقافية واعية .

وعلى حد متابعتي المتواضعة بعد سفر نحو 20 عاما ، أتابع حاليا برامج وفعاليات نخبة شبابية مثقفة، أجدهم يعيدون قراءة التراث الإنساني نابشين أعشابه الضارة، مؤكدين الهوية الوطنية العراقية الجامعة، موقدين جذوة الأمل، مراهنين على أن لا تخبو بل تبقى رمزا وواعزا للإخاء والتضامن وتجاوز الأزمات.

هؤلاء الشباب حفروا بأزاميلهم كنوز المعرفة بهدف امتلاك الحقائق والصفاء الذهني وسط غابات من الأشواك المزروعة بالأسئلة حين عاشوا تحولات فكرية صاغت لهم بالتالي خطابا مدنيا معتدلا متسامحا، منحوتا برؤى جديدة تفتح حواسنا نحو الجمال والمعرفة بالميثولوجيا وبتفاصيل الحياة اليومية، مساهمين في الوقت نفسه بخلق جيل واع عارف متيقن بالقادم الأجمل، بعدما عبروا كوارث الحروب بل ولدوا في إتونها واكتوا بنيرانها وخرجوا سالمين  يعملون جاهدين وفق مقولة ( تدجين النمر المقدس، وجعل الذئب يعيش بسلام مع الخراف).

أي أن العالم وفق آرائهم يستحق العيش فيه، ملخصين تجارب الحكماء بدفاترهم اليومية مانحين تجربتهم الشخصية بعدا أدبيا عميقا محملا بطاقات من الخيال والسير الذاتية ومعارف التاريخ والجغرافية. و لأنهم صُبوا من طين رافديني حر هاهم يواجهون الحياة بخيرها وشرها، يؤججون الأسئلة من دون انتظار أجوبة في محاولات للملمة شتات الوطن المتشظي في المنافي، مثيرين أفراحا مؤجلة بعد أن مَلّوا من حمل أثقال سلال وعود كاذبة، وثقافة شقت تحت مطارق العنف حتى تعفنت وحالت ألوانها في زمن فقدان المؤسسات الراسخة واضطراب القوانين وفي مجتمع عشعشت فيه خفافيش الخرافة وسفسطة الوهم.

في كتابه “ الإعلام الجديد.. الحرية والفوضى والثورات” للدكتور ياس خضير البياتي يذكر: “ في الإعلام الجديد والذي يطلق عليه البعض تسمية (ديمقراطية المُهمشين) سنشهد صعودا بوتائر متسارعة في ماهو قادم من الأيام، إعلام ليس فيه لاعبون ومشاهدون، بل الكل فيه لاعبون سواء كانوا محترفين أم هواة ، من الصفوة أو المُهمشين، إعلام يقوم بكل الأدوار المتوقعة وغير المتوقعة، لا موانع تحده أو سقف يحول دون صعوده، مثلما لا يتطلب أموالا كثيرة أو تقنية عالية)..

وبهذا فأن لهؤلاء الشباب كما اعتقد وأأمل قوة لتشكيل قاعدة جماهيرية من كل الأجناس قادرة على تغيير الآراء والأمزجة وخلق منظومة رأي افتراضية بديلة عن النظم المتهرئة، موحدة العالم بشبكة عنكبوتية عملاقة لاتقهر بل  تقلب مفهوم الإعلام من مُستقبل ومتلق إلى صانع ومُتلق في الوقت نفسه، ومن مُتأثر إلى أن يؤثر برأيه ويحرك، هؤلاء الشباب أعدهم أصحاب عقول ومعلومات مستدامة لا تقارن حتى بموارد كنوز الأرض ،عقولهم النيرة هي بالتأكيد “ أثمن رأسمال”.

عرض مقالات: