اخر الاخبار

قبل 43 سنة، حينما بدأت الحرب العراقية - الإيرانية واشتدّ القصف على مدينة الفاو - أقصى جنوب القلب ، نزح أهلها هرباً من القذائف والموت صوب مركز البصرة وأقضيتها الشمالية والغربية، تاركين وراءهم عمليا كلّ شيء، ناجين بأنفسهم وأطفالهم فقط. سكنوا المدارس والجوامع وبعضهم مع أقاربهم، واستأجر آخرون منهم منازل، وصار البيت الواحد يضمّ اربع وخمس عوائل سويّة. امتلأت العمارات التي لم يكتمل بناؤها ، وبنايات المؤسسات الفارغة وغيرها بعيداً عن التجاوزات وبناء العشوائيات التي انتشرت بعد 2003.

منذ تلك في 1980، أصبح الفاويون من النازحين الأبديّين وقد تناسلوا فأصبحت العائلة الواحدة أكثر من خمس أو ست عوائل ، وجُرّفت أراضيهم وبيوتهم لتكون سواتر وملاجئ ، وتحوّلت المدينة خراباً بعد احتلالها من قبل القوات الإيرانية ثم تحريرها من قبل القوات العراقية، حيث سقطت على اديمها ملايين القذائف مختلفة الانواع والأشكال، وعُجِنَت تربتها بدماء الآلاف من الضحايا. ولم تعد مثلما كانت أبداً .. بعضهم عادوا إلى ديارهم وأعادوا بناء بيوتهم ، وحاولوا حرث وزرع أرضهم ليعيدوا الحياة اليها ، لكنّ ملوحة الماء حالت دون النجاح في ذلك.

الفاو قبل الحرب كانت مزدانة بالخضرة والماء ، حيث النخيل والفواكه ، وفي طريقك صوب مركز البصرة تمرّ بسوابيط العنب وتبصر الخضرة وانسياب الماء في السواقي. لكنّها غدت بعد الحرب خرائب وارضاً مجروفة ونخيلاً محترقاً برؤوس مقطوعة، وماء مالح بعدما كنّا نغترف من السواقي ونشرب ماءً عذباً زلالا !!

في عام 2006 صدر أمر ديواني يقضي بتشكيل لجنة لتنفيذ المادة ( 140) من الدستور، القاضية بتعويض الأسر المهجّرة من محافظة إلى أخرى أو من العراق إلى الخارج في زمن النظام المقبور، بقطعة ارض ومبلغ ( 10 ) عشرة ملايين دينار. وهذه المادة تنطبق دستوريا وقانونياً على أهل الفاو مثلما تنطبق على جميع المهجّرين والمرحّلين في عموم الوطن.

وقد راجع كثيرون من أهل الفاو اللجنة وإكملوا المعاملات المطلوبة وقدموها حسب الأصول.

وظهرت بعض الأسماء في البداية، ثم بدأ التلكؤ واستمرّ حتى توقفت اللجنة عن العمل دون معرفة الأسباب، فظلّ الناس يصفقون كفا بكف، ولم يتسلموا تعويضا عن بعض ما خسروه ، رغم أن الخسارة كبيرة جدا ( بيوت ، مزارع ، أثاث ، ذكريات طفولة وصبا وشباب وكهولة ) ومدينة مُسِحت من خارطة الكون ولم تعد مثلما كانت.

بعد مناشدات ومطالبات عاودت اللجنة عملها منذ أكثر من سنة، لكنّ عملها شديد البطء وليس من يعلم متى تستعيد الناس حقوقها المحددة في المادة  140؟

حاليا تجري حملة رفع التجاوزات في المحافظة ويحتمل ان يتم تعويض المتجاوزين بقطع أراضٍ ومبالغ لبناء بيوت بديلة لما تجاوزوا عليه ، أو بناء أحياء سكنية للفقراء منهم ــ وهذا حق ، لا منّة من أحد ، لأن السكن اللائق حق مكفول دستوريا لكل مواطن.

أليس الأجدر أن يعمل المسؤولون على تسريع عمل اللجنة، وتعويض النازحين قسراً، وإعطائهم حقوقهم التي ظلّت طيّ الأدراج لسنوات وما زال الكثير منهم بين الإيجارات والاقامات الموقتة وغيرها، ولم يتجاوزوا على ارض أو ساحة ما.. ؟

عرض مقالات: