اخر الاخبار

تتسع كل يوم برامج تسليع الثقافة، كأبرز مظاهر العولمة الرأسمالية، حيث تُفرض قوانين السوق، وتُقطع أية وشائج بين النتاج الإبداعي ومصالح الناس الروحية والمادية، وتتم إشاعة إستسلام قدري لدور الإعلان في التمويل، إلى الحد الذي أخضع المؤسسة الثقافية المعاصرة لحيتان العولمة، وخلق تداخلاً مريعاً بين الإعلان والإعلام، ودمج الثقافة بالترفيه.

وليس أدّل على ذلك ملاحظة الفرق بين الصحف والمجلات الثقافية وبين وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، ففيما تسعى الأولى، على الأغلب، إلى تقديم المعرفة وإذكاء الإحساس بالجمال وإشهار الأسئلة التي تنّمي وعي القاريء، تقوم الثانية بتغييب مصادر المعلومة وخلط الواقع بالخيال ورفع الحواجز بينهما، ودخول حياة المتلقي على عدد دقائقها، لتكفيه “شر” التفكير وتشل قدرته على الرفض أو حتى على التشكيك. ولهذا فشل التطور التكنولوجي في تعزيز الحريات، لأن افتقار الناس لإمكانية معرفة حقيقة المعلومة ومصدرها والتدقيق فيها، يُفقدهم ما كانوا يتمتعون به من حرية اختيار، ويقلل من قدرتهم على حماية أنفسهم من التضليل والتجهيل.

ويترافق النتاج الآخر للعولمة المتوحشة، والمتمثل بصعود اليمين واليمين المتطرف في العالم، مع هجوم منظم وبإستراتيجية شيطانية، ضد حرية الصحافة ومن أجل تقويض الثقة في وسائل الإعلام، حتى تكدست في أروقة القضاء آلاف الدعاوى ضد الصحفيين، بغية إسكات المدافعين عن الحرية والعدالة، والمحّذرين من تكرار تجربة صعود الفاشية والنازية، السلف غير الصالح ليمين اليوم، والكاشفين عن فساد الأغلبية الساحقة من هؤلاء، مالياً وإداريا واجتماعياً، وعن خطرهم على الحقوق الأساسية للبشر. وأدت هذه السياسات إلى تراجع ملحوظ في حرية الصحافة، حتى لم يعد هناك سوى 25 في المائة فقط من الدول، ضامناً لهذه الحرية.

ويلعب المال السياسي والنفوذ دوراً خطيراً في هذه الدعاوى، حيث تفتقد الحالة لأي تكافئ بين المدعّين والمدعّى عليهم من الصحفيين وكتاب الرأي. فإضافة إلى عشرات وسائل الإعلام والمحامين والسياسيين المجّندين ضد الصحفيين، لم يعّد يخلو القضاء نفسه من تحيزات تخدش أحيانا ما يفترض فيه من نزاهة وحيادية.

وترفع بعض قوى اليمين هراوة مزيفة تتهم بها من يريد فضح عنصريتها ومعاداتها للحريات ونهبها للثروات وتحايلها على القوانين، بكشف أسرار الوطن والتعاون مع الدول الاخرى أو خدمة مصالحها، فيما تُوكل مهمة العنف ضد المعارضين واصحاب الرأي إلى الجماعات الإجرامية، وتوظّف ضدهم مئات الجيوش الإلكترونية، التي تعمل على تسقيطهم أو قرصنة مواقعهم وبريدهم او تهديدهم بشكل مباشر، أو مهاجمتهم بادعاءات لا أساس لها مما يؤدي إلى تقويض احترام المتلقي للصحافة، لاسيما حين يأنف الصحفي من الخوض في هذه الترهات. ولهذا لم يعّد غريباً، أن نجد بين فترة وأخرى، تراجع هذا الصحفي أو ذاك عن مواقفه، ولجوئه إلى الصمت، أو حتى انتقاله إلى ضفة من كان يفضحهم.

ويشن اليسار في العالم اليوم، نضالاً عنيداً ضد هذه الشبكات الإجرامية والحكومات اليمينية والقوى المتطرفة، وضد ما تمارسه لإدامة هيمنتها، من قمع وبث للخوف وتلاعب بالتشريعات. ويقف بحزم ضد محاولات تعديل القوانين الضامنة لحرية التعبير، واستخدام تهم التشهير لتسهيل إجراءات تكميم الأفواه. كما يفضح وبشدة، الإدعاءات التي يستخدمها الشعبويون، لتقديم أنفسهم كمدافعين عن مصلحة الأمة والأغلبية السكانية المحرومة وتشكيكهم بالولاء الوطني لكل من يخالفهم، واهمين بأن ذلك قد يسمح لهم بأن يكونوا فوق المبادئ الديمقراطية، فيتمّكنوا من تقييد حرية الصحافة والتعبير الحر وحجب حق الوصول إلى المعلومة وإحباط الرقابة المجتمعية.   

عرض مقالات: