دائما ما كانت تمر العلاقة بين الأداء والولاء بحالة تناقض كما المتوازيين اللذين لا يلتقيان. ولعل هذه الظاهرة ليست خاصة بما يحدث اليوم إنما كانت حاضرة سابقا، ولكن بنسب متفاوتة، لكنها اليوم هي أشد وضوحا وفتكا في إدارة الدولة. حيث جرى استسهال وضع الرجل غير المناسب في أي مكان حتى أصبح عرفا وقانونا فيمن يتولى المسؤولية في أجهزة الدولة المتضخمة كسرطان سريع الانتشار بفضل الريوع النفطية، والذي لا يؤدي سوى وظيفة الساكت عن الحق ... ولعل نظرة سريعة من متعجل لا يرى في مؤسسات الدولة الحالية سوى ما رآه تشيخوف في قصته القصيرة (موت موظف) ورذاذه المتطاير على صلعة أحد المسؤولين في أحد المسارح التي حرمنا منها ومحاولة استجدائه العفو والمغفرة وقلقه الذي أدى إلى موته وهو يفكر باحتمال رفض اعتذاره. ولعل ما ذكره تشيخوف رغم مرور أكثر من قرن على قصته وراهنية ما توصل اليه بحاجة لإضافة الكثير فيما يحدث داخل مؤسسات الريوع النفطية المبتذلة سابقا وحاضرا، وهي في عصر ثقافة الاستهلاك والعولمة التي حددت قيم الانسان بالاستهلاك على حساب الإنجاز والعمل بحيث تحولت مقولة ديكارت أنا أفكر إذا أنا موجود إلى أنا أستهلك إذا أنا موجود ...! كما تحولت مقولة ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) إلى الاستهلاك يبرر الوسيلة. ومن هنا أصبحت الرشوة جهدا يستحق الثناء، والتملق نوعا من أنواع الكبرياء، أما الولاء فأصبح فروسية لا تقل عن فروسية عروة ابن الورد المتمرد على العشيرة أو أبو ذر المتمرد على السلطة. هكذا اختلط الحابل بالنابل في معركة الرياء التي تخوضها جيوش الموظفين والمهمشين اليوم على حد سواء، الأول في حقل المؤسسات والثاني في حقل الطقوس في حلبة الواقع المعاش بذل. أمام “نخبة” من الجهلة والسراق والمأزومين والمهوسين بجمع المال والامتيازات والسلطة وهم يصفقون عبر الفضائيات لهذا التدافع لكسب الود ليس من هؤلاء فقط، بل من مثقفين وإعلامين ومحللين ومطبلين على اختلاف انواعهم طائفيا وإثنيا وقوميا وهم يتلون بأزبالهم عبر شاشات الفضائيات “المستقلة” و”الموضوعية” جدا، والتي تدفع رواتب خيالية لإعلاميين يجهدون بكامل إناقتهم بان يكونوا وطنيين حسب طلب صاحب القناة النزيهة جدا. ويمكن أن تكون رواتب هؤلاء الإعلاميين وامتيازاتهم تتجاوز امتيازات من ينتقدونهم من نواب ووزراء ومسؤولين بالنسبة للرواتب. اما بالنسبة لما يحصل عليه المسوؤلون خارج العمل الوظيفي أي العمل الإضافي في عقد الصفقات فلا يعلمه لا صندوق النقد والبنك الدوليين ولا بنوك سويسرا، ولا سوق العقار بالمناطق الراقية، ولا مسؤول الاستثمار في أي حكومة، ولا هيئة الضرائب، ولا هيئة النزاهة، ولا ديوان الرقابة المالية، ولا منظمة الشفافية، ولا نادي باريس لجدولة الديون ، ولا نوادي دور الأبطال للسراق في العالم، ولا منظمة العدل الدولية ، ولا بنوك دول الجوار، ولا المصارف الأهلية التي بلغ عددها 84 والتي تزيد عن المصارف الأهلية في أعرق بلد رأسمالي بريطانيا، ولا البنك المركزي العراقي بكامل جلالة قدره ومهنيته ومنصاته في بيع العملة، ولا مكاتب الصيرفة، ولا تجار المخدرات، ولا تجار السلاح، ولا تجار الأعضاء البشرية، ولا نوادي القمار، ولا تجار الجنس، ولا المشتركين في “صفقة القرن “. بينما أشار أحد علماء الفلك الذي فضل عدم ذكر اسمه خشية المساءلة القانونية وغير القانونية ...!! أن سرقة الموازنات بلغت سرعة صوت السلاح المنفلت وغير المنفلت وهو ينتقي أهدافه بدقة ومن مسافات قصيرة ضد كل من تسول له نفسه الوقوف بوجه المهزلة بغض النظر عن تقارير حقوق الانسان وحرية الصحافة وثرثرات المبعوثين الدوليين، فالنفط قادر على محو أعظم الذنوب خسة ووضاعة.
خارج النسق.. العلاقة الجدلية بين الأداء والولاء
- التفاصيل
- فاروق فياض
- اعمدة طريق الشعب
- 311