اخر الاخبار

قد لا يدرك البعض في الحكومة ووزارة المالية حجم الصعوبات التي تواجه المواطنين جراء خفض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار. فحسب كل التقديرات تسبب ذلك في خفض القوة الشرائية للعاملين في الدولة خاصة، بنسبة لا تقل عن ٢٠ في المائة. إضافة الى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية والدوائية.

ويمكن القول ان لا ناحية ولا زاوية في الوطن لم تتأثر بهذا الاجراء الصادم، الذي قيل وكتب الكثير حول الطريقة التي جرى بها، وانه اذا كان لا مناص من اتخاذه فعلى الاقل بشكل تدريجي، وان ترافقه حزمة تدابير حمائية للفقراء وذوي الدخل المحدود.

وهذا ما لم يحصل، واضافة اليه يراد الآن فرض استقطاعات أخرى على الرواتب، الامر الذي سيترك أثره البيّن على الحياة المعيشية والاقتصادية في البلد، وبما يمكن اعتباره عقوبة ثانية تفرض خلال اشهر معدودات.

والاغرب في سعي وزارة المالية لفرض هذه الاستقطاعات انه جاء، حسب قول نواب عديدين، في تعارض مع الموازنة التي اقرت للتو بعد رحلة ماراثونية، وبناء على تفسير غير دقيق للمادة ٣٤ منها. فنحن اذن امام تقاطع بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وحتى بين السياسات المالية والنقدية.

لا خلاف على فوضى التعيينات في مؤسسات الدولة وغياب المعايير والضوابط والحاجة الفعلية، وان معظم تلك التعيينات تقف وراءها جهات سياسية متنفذة تسخر وجودها في مركز القرار لتوظيف ذلك لخدمة أهدافها السياسبة والانتخابية.

ومن جانب اخر يمكن القول ان استمرار التعيينات على النحو الحالي فيه من المخاطر الكثير اذ ستذهب موارد البلد لتغطية الموازنات التشغيلية ومعظمها رواتب وهي تزيد عن ٧٠ في المائة من الموازنة العامة .

ان الدولة ملزمة، حسب العديد من مواد الدستور، بإيجاد فرص عمل وليس بالتوظيف العشوائي. وهذا لن يتحقق في ظل السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة حاليا، وتشجيع النزعة الاستهلاكية واضعاف القطاعات الإنتاجية وخصوصا الصناعة والزراعة، وعدم توفير الحماية للمنتج الوطني واستمرار السماح بالدخول العشوائي للبضائع من دول الجوار، من دون حسيب ولا رقيب وبحماية المتنفذين والاذرع المليشياوية المسلحة ومنظومة الفساد.

 نشدد على ان ذلك لن يتحقق الا بالانتقال التدريجي من الاقتصاد الاحادي الريعي الى اقتصاد متعدد المصادر، وحزمة من الإجراءات الأخرى الناجعة، تتصدرها الإرادة السياسية، لوضع البلد على طريق تنمية حقيقية مستدامة.

ان تعظيم موارد الدولة لا يتم بفرض المزيد من الاستقطاعات، التي تكاد تخنق المواطن في ظل عجز مؤسسات الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية في مجالات الكهرباء والصحة والتعليم والنقل وغيرها. والحل ليس قطعا في فرض المزيد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، التي ترمي وزر الازمة المالية والاقتصادية على عاتق المتضررين منها أصلا.

نعم هناك حاجة لاصلاح النظام الضريبي، وتحسين تدفق الموارد منه، ولكن بعيدا عن الفساد والمحسوبية والمنسوبية، وان يشمل اولا ذوي الثراء الفاحش واصحاب الرأسمال الكبير والمشاريع والمقاولات وغيرها، وسد الثغرات امام التهرب الضريبي.

كما يتوجب تفعيل قانون سابق صادر عن مجلس النواب يتعلق برواتب الرئاسات الثلاث ومخصصاتها، ورواتب النواب والوزراء والدرجات الخاصة ومخصصاتهم وحماياتهم.

وتبقى هناك مجالات أخرى عديدة، لابد للحكومة من تحسين ادارتها وابعاد الفساد عنها، وهي كفيلة بتوفير ايرادات جيدة، بدلا من ملاحقة موظفي الدولة واستسهال الاستقطاع من رواتبهم.

عرض مقالات: