اخر الاخبار

يجتمعون في اليوم الخامس من كل شهر، موعد يتحَّسب له الجمع ولا يتخلف عنه أبدا.هم أصدقاء جمعتهم سنوات المهنة وشغف الأدب، أكبرهم أقترب من التسعين وأصغرهم تعدى السبعين بسنوات..وأنا أبنه الستين كنت الزائرة الوحيدة “ الصبية “ المدللة بينهم..

يتنابون بيوت بعضهم كل شهر مثلما يتبادلون هموم السكر والضغط والمفاصل ومشاكل المعدة..عند زيارتي الأولى لهم ابتدأ الحديث حول أفضل التمارين لإنعاش الجسم وتحفيز البنكرياس لإطلاق كمية مضافة من الأنسولين، في حين تشاغل شيخ آخر بمتابعة فديو في موبايله يعرض حدثا كبيرا هز المجتمع، سرعان ما أطلق تعليقاته العنيفة حوله موجها انتباه الآخرين ممن لم يسمعوا عنه شيئا..

الستينية أنا لم أقابل أغلبهم لمدة زادت عن العقدين، صُدمت حقا بالتغيير الشكلي الكبير لمعظمهم ، شاخوا بعدما تحمصوا على أفران المصاعب وكوارث الحروب، سقطت أسنانهم واحدودبت ظهورهم وغابت تماما وسامة الشباب الرائعة حين تقاسمنا يوما ما تفاصيل مهنة المتاعب أو اجتمعنا في محاضرة ثقافية أو تشاركنا في رحلة ممتعة داخل العراق أو خارجه.

اعترف بأني للوهلة الأولى أخفيت إحراجي وشعوري بزجي بهذه “الورطة “ دونما تحّسب للنتائج، إذ لم تغادرني حينها صورهم في شبابهم وهم بكامل أناقتهم ومرحهم و وسامة البعض منهم. تساءلت” ترى كيف تغيروا هكذا؟” ثم تبادرت  لذهني عبارة أختي الكبرى واصفة وضعها الصحي المتردي بالقول” الكِبر سخيف، أتمنى الموت بزر كهربائي يقضي علي بسرعة دونما عذاب”..

التزمت الصمت وكدت اغرق بالحزن .. لكن ما أن ُطرحت الأحاديث وكل أدلى بدلوه بين معارض مشاكس شرس وأخر مؤيد مسالم ، حتى تفتحت الأزاهير في بستان الحياة الوارفة، كلُ بدا وكأنه ينفض عنه أغصانه اليابسة وقد شُحن بطاقة مذهلة بحثا عن ربيع جديد يتألق به مستعيدا ريعان  الشباب. برقت العيون بشهية تناولوا  أصناف الفاكهة والمعجنات وشرع كل منهم باستذكار أحلى أيامه في سفرة ممتعة أو لقاء صديق أو حبيب حميم.. في حين أصر البعض الآخر على التنقل في أحاديث السياسة وأخبار الساعة محللا ناقدا مستعرضا لكثير من المعلومات بحرفية صحفي عتيد حصيف اعتمد مصادر وبحوثا يبدو أنه قد حضرها لذلك اللقاء بكل دأب وحرص وأمانة، ومع ذلك لم يفلح كثيرا في تسكين الجو وقد التهب بأحاديث شيقة غارت في الماضي بحثا في كنوزه المتألقة ، وتشعبت متناولة الحاضر لكن بسخرية العارف المتيقن أن لاشيء يبقى على الدوام..

انتقلت عدوى المرح إليَّ وسرعان ما تبخر حزني لأشرع بدوري القص على مسامعهم حول أغرب ما صادفته أثناء سنوات الغربة شارحة لهم سبل اجتيازي لكثير من العقبات بمرح وسخرية..وجدت نفسي اضحك من كل قلبي وأنا أأؤكد حضوري لجلستهم في الخامس من الشهر القادم غير متحَّسبة ربما لفقدان البعض منهم في لعبة الحياة والموت.

عرض مقالات: