الحضور الكريم

الرفيقات والرفاق الأعزاء

يسعدني بأسم قيادة وكوادر وقواعد حزبنا الشيوعي العراقي وبأسم جماهيره وانصاره، أن أحييكم وأشكر حضوركم التضامني هذا، ونحن نحيي الذكرى الستين لإستشهاد قائد حزبنا وسكرتيره الأول حسين أحمد الموسوي (سلام عادل) ومجموعة من رفاقه، على يد حفنة من البغاة الفاشست، ذلك الإستشهاد الذي مثل ملحمة بطولية ومأثرة صمود مدهشة، وجاء تتويجاً لحياة ثرة وغنية بالعبر والدروس، رغم قصرها.

مضت ستون عاماً، أيها الأحبة، كوميض برق في ليلة صيف رغم كل المحن والجراح، وأبقت سلام عادل مقيماً في قلوبنا وعقولنا، بألفته العصّية على الغياب، وبخصال يحار المرء في ما يجترح من مآثر كي يتمثلها، بصيرة حكيم زهت في سماحة مفكر، وصمود موقن إمتزج بوداعة الطيور، ودأب متعلم ترافق مع نضج المعلم، وحماسة شباب عكستها أناة بحّار عركته العواصف.

ستون عاماً مضت، ولما يزل المؤرخون والسياسيون والمراقبون، في دهشة وغبطة، وهم يستذكرون كيف صار سلام عادل، ذاك الفتى العراقي النجفي النحيل، ملاذاً من الوجع والحزن المستديم، في ظل القهر والقمع الذي ساد العراق، ونوراً في عتمة خانقة سببتها الخلافات العميقة بين أطراف الحركة الوطنية، وتوازناً في شتات اللاجدوى التي عاش رفاق الدرب حينها، وثقة بالنفس تذكي جذوة الفعل في أية لحظة نكوص. وكيف أثمرت جهوده وجهود رفاقه، في إعادة الوحدة لصفوف الحزب وتوسيع قاعدته الجماهيرية وتمتين لحمته التنظيمية ورسم استراتيجيته وتكتيكاته، التي إكتسبت شرعيتها في الكونفرنس الثاني الذي انعقد في أيلول عام 1956، وبمبادرة وقيادة الشهيد سلام عادل.

وكان بديهيا أن تحظى السياسة الوطنية الديمقراطية للحزب وهو موحد الصفوف، بمساندة أوسع وأشمل من جانب الجماهير، التي تعززت نضالاتها من أجل اسقاط النظام الملكي الرجعي، فتوحدت القوى الوطنية في (جبهة الاتحاد الوطني) عام 1957 بجهود كبيرة للشهيد، لعبت دورا حاسما في تهيئة مستلزمات الانتصار لثورة 14 تموز 1958.

وبعد الإنتصار، قاد الرفيق سلام عادل بكفاءة نشاط اللجنة المركزية في ظروف المد الثوري العارم واتساع تنظيمات الحزب وتعاظم نفوذه وامتداد نشاطه وتنظيمه في ربوع الوطن. وفي أواسط 1962 عاد الشهيد الخالد الى العراق سراً، بعد سفرة عمل الى الإتحاد السوفيتي، رغم المخاطر التي كانت تحيط بعودته. وزاول نشاطه كسكرتير أول للجنة المركزية، وخاض مع رفاقه الاخرين نضالا مبدئيا باسلا ومفعما بالشعور بالمسؤولية تجاه مصلحة الحزب والحركة الوطنية والاممية البروليتارية. وقاد الحزب في النضال البطولي ضد الدكتاتورية وضد الحرب الشوفينية في كردستان، ومن أجل الديمقراطية، حتى شباط 1963 حين أطبقت مقصلة الفاشست على الوطن، وأفقدته إبنها البار سلام عادل في الأسبوع الأول من اذار، العام نفسه.

على الصعيد الشخصي والاجتماعي والإبداعي، بقي الجميع يستذكرون السلوك الانساني المتميز للشهيد الخالد سلام عادل وقيمه الأخلاقية الجميلة، إختراقه لعتمة الجهل بكوى متنامية من زرقة طليقة، من حنان لا ينضب، من كبرياء مفعم بالتواضع، وانتماء صوفي للشعر والفن، للصدق وللأرض ولناسها الطيبين.

الحضور الكريم

الرفيقات والرفاق الأعزاء

تمر الذكرى الستون لإستشهاد الخالد سلام عادل ورفاقه الأماجد، وبلادنا تمّر في أوضاع معقدة جراء تداعيات الازمة  البنيوية التي تعصف بها على مختلف الصعد، والمتجسدة في حكومات منظومة المحاصصة والفساد، التي شوهت بنهجها وادارتها الديمقراطية وخربت مؤسساتها واضعفت هيبة الدولة وقوة القانون وكرست انفلات السلاح، وحمت الفاسدين والفاشلين، وحفزت على الترهل واللاأبالية والبيروقراطية والتجاوز على حقوق المواطنين وحرياتهم، وتأجيج الصراعات العبثية والنزعات البدائية. كما عجزت هذه المنظومة عن تبني إستراتيجية اقتصادية وطنية علمية، واطلقت العنان لاقتصاد السوق والخصخصة، وأدخلت البلاد في ازمة اقتصادية، وحطمت ما كان قد تبقى لها من قدرات في الإنتاجين الزراعي والصناعي.

وكان طبيعياً أن يؤدي ذلك كله الى إرتفاع معدلات البطالة لتشمل ثلث شباب البلاد وأن يعيش ربع الشعب تحت مستوى الفقر، في ظل ارتفاع جنوني في الأسعار، وغياب واضح للخدمات الأساسية كالتعليم المجاني الجاد والرعاية الصحية الحقيقية والمجانية، وطاقة كهربائية مستقرة وطرق معبدة ومياه صالحة للشرب، وسكن يليق بشعب تكتنز أرضه خيرات كبيرة.

وفيما يتعزز دور الفئات البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية في البلاد، وتتسع الهوة بين ثرائها الفاحش، وبين جوع الغالبية الساحقة من العراقيين، التي ترزخ تحت وطأة الفقر والجوع والمرض والحرمان والبطالة، يواصل التحالف الخطير نهب البلاد وتخريب كل شيء لصالح ديمومة هيمنته، مشرعاً الأبواب للتدخل الخارجي في شؤون بلادنا على حساب سيادتها واستقلالها وقرارها الوطني المستقل.

وبديهي أن تتطلب هذه المأساة، تحركاً جاداً ودؤوباً من قوى شعبنا الخيّرة كافة، التي يهمها انقاذ الوطن مما هو فيه، وفي طليعتها حزبنا والتيار الديمقراطي وقوى التغيير الديمقراطية ومختلف القوى والشخصيات الوطنية، وأن تعمل على تعزيز العمل  الوطني والديمقراطي، وبلورة معارضة  مدنية - ديمقراطية  وشعبية واسعة  لمنهج الحكم الحالي، ولمنظومة المحاصصة والفساد، ولفتح الآفاق للسير على طريق التغيير الشامل وبناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .

ويأتي في هذا السياق تفعيل الحراك الاحتجاجي والجماهيري والمطلبي، ومواصلة الضغط الشعبي لتهيئة ظروف ومستلزمات التغيير، وفي مقدمتها تعديل موازين القوى لصالح الشعب، عبر انتخابات حرة ونزيهة تمثل إرادة العراقيين جميعا، وتجرى وفق قانون انتخابي عادل ومنصف وبمفوضية مستقلة حقاً، وبتطبيق قانون الأحزاب السياسية، وبعيداً عن السلاح المنفلت والمال السياسي وشراء الذمم والولاءات، إضافة الى إجهاض كل مساعي التضييق على الحريات العامة ومصادرة حرية الرأي والتعبير والتظاهر والاحتجاج السلمي.

كما لابد من الضغط على الحكومة للإيفاء بوعودها التي أطلقتها في البرنامج الحكومي، وحل أزمة صرف الدولار والإرتفاع الجنوني في الإسعار، وتوجيه الموارد المالية نحو إيجاد ركائز دائمة للتنمية المستدامة، والتقليل التدريجي من الاعتماد على الريع النفطي، وتنمية القطاعات الإنتاجية لاسيما الزراعية والصناعية، إضافة الى دعم كل الجهود لمنع عودة الإرهاب ومحاولات تأجيج النعرات الطائفية، وتوظيفها في الصراع والمنافسة السياسيين.

المجد كل المجد لسلام عادل ورفاقه والخزي والعار لقتلتهم من الفاشيين.

لنرفع أصواتنا جميعاً من اجل إنصاف هؤلاء الشهداء الخالدين وعوائلهم عبر ادانة انقلاب 8 شباط  الاسود رسميا، وإعتبار من أهدرت دماؤهم في زمنه، من كل ابناء شعبنا العراقي، شهداء للوطن، واعتبار الآلاف من المسجونين والمحتجزين والملاحقين تعسفا، ضحايا مغدورين، ورد الاعتبار القانوني الكامل للجميع، وإطلاق أسماء الشهداء على الشوارع والساحات العامة والحدائق وإدخال نصوص في المناهج المدرسية تتعلق بالانقلاب وتوضح حقيقته وطبيعته، لتعرف الأجيال الشابة تاريخ بلدها، وتستلهم ممن قاوموا الفاشية دروس الوطنية، وتتشرب بقيم الديمقراطية والعدالة والسلام، فضلاً عن تخصيص فعاليات مناسبة في ذكرى الانقلاب في برامج إعلام الدولة.

أيها الأحبة

لنناضل معاً من اجل التغيير الشامل وقيام دولة ديمقراطية تضمن العدالة الاجتماعية. والسلام عليكم..