اخر الاخبار

عقدت اللجنة العليا للتيار الديمقراطي اجتماعاً يوم 23 /1 /2021 في بغداد، تداولت فيه محاور عدة: تنشيط التيار الديمقراطي ودوره في الحياة السياسية، مقترحات لتعديل النظام الداخلي، كذلك التحضير لعقد المؤتمر الثالث للتيار.

وتبنى الاجتماع الوثيقة المعنونة “نحو إعادة تنشيط التيار الديمقراطي وتفعيل دوره في الحياة السياسية”، التي تنشر “طريق الشعب” هنا نصها الكامل:

يعيش بلدنا في الظرف الراهن، تحديات جسيمة وظروفا صعبة، فرضتها الأزمة البنيوية في منظومة الحكم، المبني على أساس المحاصصة الطائفية والاثنية.

ومن المؤكد أن الكيفية التي يتم بها التعامل مع الازمة العامة الشاملة وتداعيتها، ستترك بصماتها على معالم عراق المستقبل، فيما يتواصل الصراع على تحديد وجهة البلد اللاحقة، وعلى منهج الحكم ونمط التفكير وآلية ادارة الدولة.

إنّ أعدادا متزايدة من المواطنين صارت تدرك مخاطر تسلط القوى المتنفذة على حاضر البلاد ومستقبلها، وتدركها معها قوى وطنية تشاركها همومها وتطلعها الى احداث نقلة نوعية في الحياة السياسية، عبر السير على طريق التغيير والخلاص من نظام المحاصصة والطائفية السياسية. فذلك هو المخرج المرتجى والمعول عليه في إنقاذ البلاد مما هي فيه من صعوبات وإشكاليات وكوارث ومآسٍ. وان يشمل ذلك في الجوهر أسّ البلاء: المحاصصة المقيتة، ويؤمّن بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

إنّ اوضاع البلد العامة، وحالة الانسداد والاحتقان الاجتماعي والاستعصاء السياسي، وانعدام الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، وحالة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وتفشيه في المجتمع، والتفاوت والتمايز الطبقيين المتسعين، والفشل البيّن في إدارة شؤون البلد، والانتشار الواسع للسلاح خارج أطر الدولة، وتعاظم دور “الدولة العميقة” والمليشيات والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي وانتهاك السيادة الوطنية، والتطورات في احداث المنطقة وتأثيرها على الاوضاع في بلدنا، والتظاهرات الاحتجاجية المتواصلة وحالة السخط  الشعبي.. ان هذا كله وغيره يؤشر حقيقة ان إدامة الحال وفقا لما هو قائم، أو السعي الى اعادة انتاج النمط السيّئ ذاته في إدارة الدولة، سيكونان عنوانا للفشل المتواصل، وللمزيد من الأزمات في نظام محاصصي مأزوم.

حراك احتجاجي متعدد الاشكال

وعلى خلفية الأزمات، وتعبيرا عن الرفض الشعبي المتنامي للواقع القائم ولمنظومة الحكم وإدارة البلاد المسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع، انطلق منذ أكثر من عقد من السنين، حراك احتجاجي متعدد الأشكال، شمل فئات وقطاعات اجتماعية واسعة، وتطور متصاعدا ليتكلل بتفجير انتفاضة تشرين الباسلة، التي شكلت منعطفا فارقا في حياة البلاد السياسية، وليرفع التغيير والقطيعة مع نهج المحاصصة والطائفية السياسية الى رأس جدول المهمات الملحة أمام شعبنا وقواه الديمقراطية والوطنية الحية.

وقد عملت قوى عدة، رسمية وغير رسمية، وما زالت تعمل على تفتيت قوى الانتفاضة واطفاء جذوتها، عبر القتل العمد والاختطاف والاغتيال والتعهدات غير القانونية والتهم الكيدية والتشويهات والافتراءات الباطلة. وإذا كانت اعداد المشاركين في الحركة الاحتجاجية في هبوط وصعود، فإن عوامل استمرار هذه الحركة باقية، وقد تعاظمت جرّاء الازمة الاقتصادية والمالية الراهنة، وجائحة كورونا، والإجراءات الأخيرة للحكومة، التي القت بثقلها أساسا على غالبية المواطنين من الفقراء والكادحين وشغيلة العمل غير المنظم، وذوي الدخل المحدود، وعلى الاقتصاد الوطني.

إنّ استمرار الحال من المحال، لذا فقد غدا التغيير حاجة موضوعية تفرض نفسها، وهو ما يتوجب ان يكون ماثلا امام جميع القوى السياسية، وبالأخص القوى المدنية الديمقراطية، التي لديها فرصة واقعية لخوض التحدي وبجدارة.

استنهاض التيار الديمقراطي.. مهمة وطنية

ولقد عملت قوى وشخصيات مدنية وديمقراطية خلال السنوات الماضية، على توحيد خطابها ونشاطها في إطار تنسيقي، هو “التيار الديمقراطي العراقي”، الذي يشكل إطارا مجتمعيا واسعا، متعدد الرؤى والأفكار، تتكون قاعدته الاجتماعية من الفئات والشرائح التي ترى في الدولة المدنية العصرية وتحقيق الديمقراطية، بجانبيها السياسي والاجتماعي، تعبيرا عن مصالحها وتطلعاتها. وتعمل قوى هذا التيار على أساس احترام الدستور والمؤسسات المنتخبة، ومبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية.

لذا يمكن القول إن المخاطر التي تهدد بلدنا ومجتمعنا تحتم علينا، كوطنيين وديمقراطيين ويساريين وتنويريين، تحمّل مسؤوليتنا الوطنية انطلاقا من إدراك عدم قدرة أي طرف، منفردا، ومهما امتلك من إمكانيات، على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية.

إنّ من البديهي الاقرار بأن هناك أسبابا موضوعية، خارجة عن إرادة القوى الديمقراطية، عملت على تواضع دورها كما هو مطلوب ومرتجى. فالنظام المباد هو من مارس سياسة مدروسة لتحطيم البنية التحتية التي تستند عليها هذه القوى. وكان للمحتل كذلك دوره في إذكاء الطائفية السياسية المقيتة، والتقسيم الطائفي، واعتماد المحاصصة المذهبية والعرقية أساسا للنظام السياسي، ولصراع المتنفذين على السلطة وامتيازاتها، والفساد المالي والاداري. يضاف الى ذلك الارهاب الذي خلق اجواءً ادت الى عدم الاستقرار وتعطيل الحياة الديمقراطية، وتسيّد نزعات العنف، ما شكل تحديات كبيرة امام القوى المدنية والديمقراطية الطامحة الى مستقبل يطوي حقبة دكتاتورية قاتمة. وهناك الى جانب هذا أسباب تتحمل مسؤوليتها القوى والشخصيات الديمقراطية ذاتها، منها ضعف الالتزام بسياسات التيار ومواقفه، وبعض الظواهر السلبية التي تفشت في الحياة السياسية وانتقلت الى صفوف القوى المدنية مثل حب التزعم، والتنافس غير المبرر، والتحسس، والتشنج، ونزعة استبعاد الآخر وتهميشه. 

ومن جانب آخر فإن التجربة تؤكد أهمية مأسسة عمل التيار، وانتظام عمل المكتب التنفيذي واللجنة العليا وانعقاد اجتماعاتهما وفقا للنظام الداخلي، ومدى التأثير السلبي لعدم التمسك بذلك.

ولقد مرّت مختلف القوى المدنية الديمقراطية بتجارب وتحالفات انتخابية خلال الفترة المنصرمة، ولم تستطع ان تصل بهذه التحالفات الى ما كانت تطمح اليه في تحقيق اهداف سامية، ارتباطا بمستقبل بلادنا وبناء الدولة المدنية العصرية وتحقيق الاستقرار والازدهار.

ولعل اهم ما يمكن تأكيده في هذا المجال هو ضرورة الرؤية الواضحة لتعقد الوضع وتشابكه، وعدم خلط الأمنيات الطيبة بالواقع الصعب والخطر الذي نعيشه. فالواقع لا يتغير بالتمني، بل بالعمل المشترك الدؤوب والمثابر.

وفي رأينا، أن استنهاض قوى التيار الديمقراطي مهمة وطنية، تتطلب العمل الجاد، بصبر وسعة صدر، وبمواصلة ومثابرة لا مكان فيهما للكلل والتراخي والتهاون. وهذا يتطلب من بين ما يتطلب، التشديد على إقامة العلاقات وإدامتها، وتنسيق الجهود وتنظيمها، وحث الخطى نحو توحيد عمل القوى الديمقراطية ضمن الإطار التنظيمي للتيار الديمقراطي، مع اعادة النظر في كل ما يعيق مرونته القصوى، كي يتسع للجميع. ونحن ننطلق في ذلك من إدراك الحاجة الى كل الإمكانيات، للتصدي للتحديات التي تواجه عملنا المشترك.

مراكمة النجاحات

وفي هذا السياق، نؤكد النجاح في استمرار عمل هذا الكيان التنظيمي، وتواصل نشاطه عبر فروعه وتنسيقاته داخل العراق وخارجه، على مدى الأعوام الماضية، وإنْ بوتائر متفاوتة، ودون مستوى الإمكانيات المتوفرة، ناهيك عن الطموحات.

واليوم وبعد انتفاضة تشرين الباسلة، تجد الاطراف المدنية والديمقراطية وهي في خضم دعم الانتفاضة ومساندة اهدافها. ان وحدة كل القوى المؤمنة بالتغيير والاصلاح اصبحت حاجة اساسية، في اجواء المنعطف التاريخي، الذي تمر به بلادنا.

لقد استخلصت وثائق التيار الديمقراطي أن ما تم انجازه منذ انبثاق التيار، وعلى اهميته، يظل دون المستوى المطلوب، ولا يرقى الى مستوى التحديات. لكن ما يجب أن لا يغيب عن الأذهان، أن التيار الديمقراطي اثبت قدرته على المواصلة والتمسك بالمنهج، رغم كل المخاطر التي واجهها. فهو الإطار السياسي الائتلافي الوحيد على الساحة العراقية، الذي يضم احزابا وشخصيات سياسية مدنية ديمقراطية تحالفت على اسس برنامجية، واتفقت على نظام داخلي جمع بين المرونة والتماسك، وحفظ وحدة عملها واحترم استقلالية كل طرف منها، اضافة الى التكافؤ في تولي مسؤوليات ادارة التيار ورسم سياساته.

وفِي هذا السياق نرى من المهم:

  • وضع المعايير والآليات لاختيار قيادة التيار الديمقراطي، والتي من أهمها اعتماد التوجه الديمقراطي المدني الحقيقي، وعلى أساس العدالة الاجتماعية، مع الالتزام ببرنامج وسياسة التيار العامة.
  • اعتماد صيغة للنظام الداخلي تتناسب مع رؤية وأهداف التيار، وتتلاءم مع تجربة الفترة السابقة، مع ضرورة الالتزام الكامل بالبنود، وبأن يكون التيار إطارا مؤسسيا، الى جانب تأكيد المرونة فيه، والابتعاد عن الروح الحزبية الضيقة.

  • عقد المؤتمر الثالث في وقت غير بعيد عن موعد انعقاد اللجنة العليا، ليكون محطة مهمة في تطوير التيار وتأمين تقدمه وتوسيع قاعدته، وتدقيق وجهته في ضوء الأوضاع المستجدة.

  • مواصلة الجهد الهادف إلى استنهاض هذا التيار، لما له من وجود موضوعي، ودور منتظر في الحياة السياسية، سيما وان مكوناته تشمل أحزابا وشخصيات ديمقراطية وحركات اجتماعية للشباب والطلبة والنساء والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، داخل الوطن وخارجه.

  • الانفتاح على القوى والتجمعات والشخصيات التي تقاسم التيار أهدافه وتطلعاته وآليات عمله، ونؤشر خصوصا تلك القوى التي شاركت في انتفاضة تشرين 2019 وفي الحراك الاحتجاجي.

  • الوقوف بثبات مع تطلعات شعبنا ونضالاته التي جسدتها انتفاضة تشرين المجيدة، دفاعاً عن الوطن وحريته واستقلاله وسيادته ومحاسبة المتورطين في اهدار دم المتظاهرين السلميين، وإطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن المغيبين وتعويض عوائل الشهداء.

  • ويبقى مهما ان تتواصل الجهود لتحويل تيارنا ـ مهما بلغت صعوبة الظروف وتعقدها ـ الى تيار مجتمعي واسع، يتبنى الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.

التغيير.. عملية نضالية تراكمية

لقد بات التغيير ضرورة ملحة لإخراج البلاد من أزمتها وإنقاذها من الاحتمالات الاسوأ. والتعويل في هذا ـ أساسا ـ على الجماهير وحركتها الاحتجاجية والمطلبية، التي تتعاظم يوما بعد اخر، جرّاء تزايد السخط والتذمر، وعجز القوى المتنفذة عن تقديم الحلول وولوج طريق التغيير المطلوب، بسبب تعارضه مع مصالحها ومع استمرار تسلطها ونهبها للمال العام وتشجيعها حالة اللادولة ودوام انفلات السلاح.

إنّ التغيير الذي ننشده ونعمل من اجله هو عملية نضالية تراكمية، تساهم فيها قوى اجتماعية وسياسية ذات مصلحة حقيقية في حصول التغيير، وفي دحر منظومة المحاصصة والفساد والطائفية السياسية، والتقدم الى امام نحو بناء عراق مزدهر مستقل آمن، وذي سيادة كاملة واقتصاد قوي ومتنوع وقطاعات إنتاجية فاعلة، يتمتع أبناؤه بالحريات والحقوق الدستورية والعيش الكريم، وبتكافؤ الفرص وعدم التمييز واحترام التنوع. عراق بلا سلاح منفلت ومليشيات، عراق مؤسسات وقانون ومواطنة وديمقراطية حقة وعدالة اجتماعية.