الحزب الشيوعي العراقي : نحو أوسع اصطفاف لقوى التغيير ينقذ الوطن
في ٣١ آذار ١٩٣٤ ولد الحزب الشيوعي العراقي من رحم مجتمعنا، حزبا للعمل والعلم والتنوير والثقافة، مدافعا عن مصالح الشعب والوطن العليا، ومجسدا طموحات وتطلعات العمال والفلاحين والكادحين وشغيلة اليد والفكر، ومكافحا لتحقيق الاستقلال الناجز والسيادة الكاملة وبناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، ولإنضاج شروط انعتاق المواطن العراقي من كل قيود الاستغلال والظلم والقهر والتمييز والاستلاب.
وفي مسيرته النضالية الحافلة بالتضحيات على مدى ٨٨ عاما، وقف الحزب وما زال ضد الاستبداد والتسلط والقمع والتمييز القومي والديني والطائفي، وضد التعصب القومي والنزعات الشوفينية. ووقف مناصرا للمرأة وداعما لنيلها حقوقها ولتمكينها من لعب دورها في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومشددا على ضمان الحقوق والحريات العامة والخاصة. ووقف رافضا كل أشكال التعصب والتطرف والارهاب ومصادرة الآخر المختلف، ومطالبا بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وببناء دولة القانون والمؤسسات وتأمين حقوق الانسان والحياة الحرة الكريمة.
واولى الحزب ويولي الشباب اهتماماً خاصاً، وعمل ويعمل من أجل ضمان تمتعهم الكامل بالحقوق والحريات المكفولة دستورياً في التنظيم والتعبير وحرية الرأي، ومن اجل خفض سن الترشح للانتخابات المحلية والعامة، وسعى ويسعى الى محاربة البطالة في صفوفهم، وتهيئة مستلزمات حصولهم على التعليم والتدريب والتأهيل المهني، وتوفير شروط تطوير كفاءاتهم ومواهبهم الإبداعية.
وفي ذكرى تأسيسه يجدد الحزب انحيازه الى عالم العمل وقيمه، مدافعا عن مصالح الكادحين والمحرومين والمهمشين وذوي الدخل المحدود، ومطالبا برعاية الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا، وحمايتها مما آلت اليه اوضاع بلدنا من تردٍّ وتدهور، جراء فشل منهج الحكم وآلية إدارة البلد، وعقم نمط التفكير، واعتماد المحاصصة الطائفية والإثنية، وما نجم عن ذلك من شيوع حالة اللادولة وانفلات السلاح وتغول جماعاته، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة وضعف ادائها وتخليها عن وظائفها الاساسية، في ضمان استتباب الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات العامة، وتوظيف موارد البلد على نحو سليم يضمن تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة.
وفي ذكرى التأسيس ننوه بنضال حزبنا الثابت ضد السياسات الشوفينية والعنصرية للحكومات الرجعية والديكتاتورية المتعاقبة، ومن أجل تعزيز قيم النضال المشترك والتآخي القومي وتوطيد الوحدة الوطنية، وفي سبيل تمتع الشعب الكردي وسائر القوميات في بلادنا بحقوقهم المشروعة والمكفولة دستوريا. وعمل على الدوام من اجل تعزيز البناء الديمقراطي الفيدرالي (الاتحادي).
وظل حزبنا مثلما كان مدافعا ومساندا ثابتا للشعب الفلسطيني، ولحقه المشروع في بناء دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، وداعما لحق شعوب البلدان العربية والعالم اجمع في الاستقلال والحرية والديمقراطية والتقدم والحياة المزدهرة، كما لحقها في اختيار انظمتها وفقا لارادتها الحرة، بعيدا عن التدخلات الخارجية أيّا كان مصدرها وعنوانها. ومن اجل تثبيت القيم الإنسانية وصيانتها، وحماية البيئة، وإقامة نظام عادل للعلاقات الدولية، وبناء السلم العالمي الوطيد عبر اقامة نظام للأمن العالمي الشامل، ونظام للأمن الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط يجعلها خالية من اسلحة الدمار الشامل، ويسهم في درء خطر الحروب وفي تصفية الاحلاف والتكتلات العسكرية والاسلحة النووية والكيمياوية والجرثومية ونزع السلاح.
وإدراكا لأهمية ما رسم المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب، المنعقد في أواخر تشرين الثاني ٢٠٢١ ، من سياسات وما اتخذ من قرارات، تواصل رفيقاته ورفاقه ومنظماته العمل المثابر على تنفيذها بهمة وحماس وابداع.
ولقد خلص المؤتمر الى ان بلادنا تعيش أوضاعا غاية في الصعوبة والتعقيد، وان التطورات التي شهدتها في السنوات الأخيرة، جراء استفحال الأزمة العامة الشاملة، عمقت القناعة بأن التغيير الشامل بات ضرورة ملحة. كما أوضحت أن لا خلاص من نظام ودولة المكونات وإنهاء المحاصصة ، إلاّ بكسر احتكار السلطة وتغيير موازين القوى السياسية لصالح البديل المدني الوطني الديمقراطي، وبما يضمن إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على أسس جديدة، تجعلها دولة مواطنة يسود فيها القانون والعدل.
ان تحقيق هذا الهدف الكبير يتطلب منا نحن الشيوعيين، ومن القوى المدنية والديمقراطية والتشرينية وسائر قوى التغيير ، الارتقاء إلى مستوى التحديات بالعمل المثابر لإقامة أوسع اصطفاف للقوى التي تنشد انقاذ العراق من ازماته المستفحلة، والمساهمة الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، لدفع عملية التغيير قدما حتى دحر منظومة المحاصصة والطائفية السياسية، وتدشين مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ان هذا هو الهدف الأراس في الحال الراهن، ما يفرض العمل على مختلف الصعد وفي شتى المواقع لتنمية روح التحدي والتصدي، وزيادة زخم الحراك الجماهيري والشعبي والمطلبي، وتنويع اشكاله.
ونجدد القول بأن حزبنا ورفاقه منحازون للناس ولمطالبهم العادلة، وسيبقون كما كانوا الى جانبهم، داعمين ومساندين ومشاركين في المسيرة المشتركة على طريق التغيير، ومن اجل فتح فضاءات جديدة لبناء حياة افضل يستحقها العراقيون على اختلاف اطيافهم.
لقد انقضى ما يزيد على خمسة أشهر منذ الانتخابات الأخيرة، خرقت خلالها المدد الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، ولم يحدث تطور يشي بقرب التوصل إلى حلول لحالة الاستعصاء القائمة. وان لإستمرار هذا الحال انعكاسات سلبية على مجمل أوضاع البلاد، وهو يثير قلقا مشروعا لدى المواطنين وحالة ترقب وانتظار، ويزيد من فجوة عدم الثقة بين المنظومة السياسية المتنافسة والمتصارعة وأغلبية أوساط الشعب، التي لا ترى لمحاور ومضامين الصراع القائم علاقة بأوضاعها المعيشية الصعبة وهمومها ، وبضمنها ما سببه مؤخرا ارتفاع أسعار المواد الغذائية والدوائية وتدهور الخدمات العامة.
وتأسيسا على ما تقدم نرى ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة انطلاقا من مبدأ الاغلبية السياسية، وعلى اساس برنامج يلبي اهداف شعبنا ومطالب انتفاضة تشرين، برنامجٍ يعتمد منظورا سياسيا يتخطى ويتجاوز ما تم اختياره في ما سبق، مع مراعاة الكفاءة والمهنية والنزاهة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية، واعتماد هذه المعايير في إسناد الوظيفة العامة في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، مع بقاء الممارسة محكا لجدية وأصالة البرنامج، وبقاء المنجز وتلبية حاجات وتطلعات المواطنين معيارا لذلك.
ويتوجب التأكيد هنا انه لا يكفي القول بالأغلبية الوطنية، على الرغم من ان هذا ضروري ومطلوب، وانما يجب ان تكون اغلبية سياسية لا مكوناتية ، تتبنى مشروعا واضحا وملموسا بسقوف زمنية للتنفيذ ، بما يحقق السلام والاستقرار والطمأنينة للمواطنين ويعيد ثقتهم بمؤسسات الدولة، ويطلق عملية بناء قطاعات منتجة تخلص الاقتصاد الوطني من طابعه الريعي، ويتصدى بحزم لملفات الفساد كبيرها وصغيرها، ويحصر السلاح بيد الدولة وبمؤسساتها الشرعية، وينزعه من الفصائل والجهات الخارجة عن القانون على اختلاف مسمياتها، الى جانب تطبيق قانون الأحزاب السياسية الذي يحظر الاحزاب ذات الاجنحة المسلحة.
والمطلوب أيضا من الحكومة الجديدة وبرنامجها، ان يحققا مطالب المنتفضين بالكشف عن قتلة شهداء انتفاضة تشرين وما بعدها ، والناشطين وأصحاب الرأي. كذلك الكشف عن المغيبين والمختطفين، وإعادة النازحين والمهجرين الى ديارهم وتعويضهم، وصون القرار الوطني المستقل والسيادة العراقية، وان يستهدف المشروع بناء دولة مواطنة ومؤسسات وقانون وحريات عامة وخاصة وتحترم فيها حقوق الانسان على وفق المواثيق الدولية، وتوفر الفرص المتكافئة للعراقيين جميعا.
في ذكرى التأسيس المجيد، ومثلما مد الحزب يده للتعاون والتنسيق مع كل القوى الحريصة على إنقاذ البلد ووقف التدهور والسير على طريق الإصلاح الجدي والتغيير الشامل، فانه اليوم أيضا مستعد تماما للمضي قدما في هذا التوجه على صعيد العراق ككل، وفِي كل محافظة من محافظات الوطن.
وانسجاما مع توجهات المؤتمر الحادي عشر والنداءات الصادرة عنه، يعلن الحزب ولجنته المركزية من جديد ان أبوابه مفتوحة للرفيقات والرفاق الذين يقفون الآن بعيدا عن تنظيم حزبهم، ونقول للجميع: لنمضِ معا موحدين في مركب الحزب ، نحو الوطن الحر والشعب السعيد.
في ذكرى التأسيس نحيي باعتزاز وفخر الرواد الاوائل ودورهم المفعم بالحيوية ونكران الذات في بناء حزب العمل والأمل، حزب النضال والتضحيات، ونحيي كل من ساروا على طريقهم لتبقى الراية عالية خفاقة في سماء الوطن، تؤشر المستقبل الواعد القادم رغم الخطوب والسنوات العجاف.
وفي يوم تأسيس حزب النزاهة والاخلاص، نستذكر شهيدات وشهداء الحزب والوطن الأماجد، وفِي مقدمتهم الأبطال يوسف سلمان يوسف (فهد)، زكي بسيم (حازم)، حسين محمد الشبيبي (صارم)، حسين احمد الرضي (سلام عادل)، جمال الحيدري، وغيرهم الآلاف، ومن مآثرهم وبطولاتهم نستمد العزم على مواصلة العطاء لخير الوطن وسعادة الشعب.
المجد لشهداء الحزب الشيوعي العراقي
المجد لشهداء الحركة الانصارية البواسل
المجد لشهداء انتفاضة تشرين الباسلة
المجد لضحايا الإرهاب
لتتضافر الجهودُ وتتعاظمْ من اجل تحقيق التغيير المنشود
تحية لرفاقنا في الحزب الشيوعي الكردستاني الذين نتشارك معهم الاحتفال بهذه المناسبة المجيدة
تحيا الذكرى ٨٨ لتاسيس الحزب الشيوعي العراقي
عاش شعبنا العراقي باطيافه المتآخية