اخر الاخبار

عرفت أرونداتي روي مهندسة معمارية، وكاتبة مقالات، وناشطة اجتماعية ونسوية، تنشر كتاباتها الصحف في جميع أنحاء العالم، كما تتداول المحافل الدولية خطاباتها حول قضايا حيوية مثل الحروب، والبيئة، والتعصب الديني، وسباق التسلح، والتحيز الجنسي، والسكان الأصليين، ما جعل منها صوتاً نقدياً مؤثراً داخل وخارج بلادها الهند.

وكانت قد حققت شهرة واسعة عام 1997 بحصولها على جائزة “مان بوكر” البريطانية المرموقة المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية، عن روايتها الأولى “ إله الأشياء الصغيرة”.

بين مسيرتها الأدبية ونشاطها الاجتماعي، يميل الكثيرون إلى نسيان حياتها المهنية ككاتبة سيناريو وممثلة ناجحة عن طريق الجدارة بالطبع، وليس وفقاً لنتائج شباك التذاكر. وهناك من يجهل أنها ناقدة سينمائية أيضاً.

ولدت روي في 24 نوفمبر 1961 لأم مسيحية من ولاية كيرالا  وأب بنغالي هندوسي كان يعمل في زراعة الشاي في شمال شرق الهند. وهناك تلقت تعليمها في مدرسة غير رسمية، لتقضي بعدها بضع سنوات في مدرسة داخلية في مركز الولاية.

بعد طلاق والديها؛ وكانت وقتها في السادسة عشرة من العمر، قررت أن تمضي في طريقها الخاص. غادرت المنزل إلى دلهي، وبدأت تعيش حياة بوهيمية، حيث اختارت الإقامة في كوخ في حي فقير لبعض الوقت، وكسب لقمة العيش من بيع زجاجات البيرة الفارغة.

كان لباسها وسلوكها مميزين بعدما قامت بحلق شعرها ورسم فراشة على رأسها. وكثيراً ما كانت تظهر وهي تدخن السجائر بطريقة لافتة وذلك بوضعها عمودياً على حامل، أو عندما تتنقل على دراجة هوائية حمراء، قبل أن تعود في النهاية لطبيعتها، وتلتحق بالجامعة لدراسة الهندسة المعمارية. 

أبدت روي الطالبة اهتماماً بالقضايا الاجتماعية، وقد لاحظت الفوضى الواضحة في المجتمع الذي تعيش فيه نتيجة التفاوت الطبقي الذي جعلها تقف على حقيقة الصراع اللامتناهي بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، بين السادة والمنبوذين، بين القوة والعجز. هذا الصراع الذي سيغدو شغلها الشاغل ومحور أعمالها الروائية والسينمائية.

بعد زواج فاشل من زميل دراسة، التقت عام 1984 المخرج السينمائي المستقل براديب كريشن الذي عرض عليها دوراً صغيراً في فيلم (Masse Sahib). وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم وعرضه تزوجت روي من كريشن، وشرعت تعمل معه على انجاز مشاريع سينمائية وتلفزيونية كان من بينها (The Banyan Tree) وهو مسلسل تلفزيوني ملحمي في ست وعشرين حلقة يغطي جزء من حركة التحرر الهندية ضد الاستعمار البريطاني.

وفي عام 1987 عملت روي على كتابة سيناريو فيلم (In Which Annie Gives It Those Ones) الذي يستمد موضوعه من فترة دراستها الهندسة أوائل سبعينات القرن المنصرم، وهي الفترة التي كانت فيها الهند تمر بمرحلة تحول كبير نحو اصلاح الاقتصاد، واعتماد نسخة جديدة من الاشتراكية في مواجهة اشتراكية الصين التي كانت تسرع الخطى في تحرير اقتصادها.

كان من أسباب نجاح الفيلم، الذي أخرجه براديب كريشن ولعبت فيه روي الدور الرئيس، إخلاصه في نقل تجربة الحياة الطلابية بكل ما عرفته آنذاك من ظواهر كالتمرد وتعاطي المخدرات، وصدق حواراته في التعبير عن أفكار الشباب وتطلعاتهم. وكانت لموضوع دراسة الهندسة المعمارية دلالة بالغة الأهمية، فالمهندس المعماري هو من يخطط للأبنية والطرق والسدود والأسواق، وبالتالي هو رمز هند المستقبل المنشود.

ويعد الفيلم أحد أقدم أعمال أرونداتي روي السينمائية، والتجربة الأولى في التمثيل لنجم المستقبل شاروخان. وكان قد عُرض على التلفزيون لليلة واحدة فقط ثم اختفى، ولكن تطور الاهتمام به بعد صدور رواية “إله الأشياء الصغيرة”، فقامت دار النشر البريطانية العريقة “بنغوين” بنشر سيناريو الفيلم، فيما جرى لاحقاً تحميله على الأنترنيت.

بعد انجاز الفيلم وتفاعل الجمهور معه وحصوله على جائزتين وطنيتين، أطلقت روي على تجربتها السينمائية: “سينما هامشية مجنونة”، لأنها جاءت خارج نظام ستديوهات (بوليوود) أكبر منتج سينمائي في الهند، وواحدة من أكبر مراكز إنتاج الأفلام في العالم.

عام 1992 كتبت روي سيناريو فيلم (Electric Moon). ورغم بثه على القناة الرابعة البريطانية لكنه لم ينجح جماهيرياً. وقد اعترفت، في وقت لاحق، أنها عندما كتبت السيناريو لم تكن قد تعلمت ما يكفي عن صناعة السينما.

وحين بدأت الأعمال التنفيذية عام 1987 لبناء سد مشروع سد سردار ساروفار على نهر نارمادا في ولاية جوغارات غرب الهند، الذي كان رئيس الوزراء الراحل جواهر لال نهرو قد وضع حجره الأساس في 1961، قادت روي حملة مناهضة له جلبت عليها سخط الحكومة الهندية. وفي سياق هذه الحملة قامت عام 2002 بكتابة سيناريو الفيلم الوثائقي (DAM/AGE: A Film with Arundhati Roy). وتُشاهد روي في الفيلم وهي تتحدث عن مخاطر السد على الحقول والغابات ومصادر رزق مئات آلاف السكان، وتحذر من غمر المياه لآثار حضارية تعود إلى ما قبل الهندوسية. كما تتحدث عن الاجراءات القضائية التي اتخذت بحقها جراء موقفها المناهض لبناء السد. وبلغة شاعرية تقول: أنني أفهم النهر ليس بصفتي داعية من دعاة حماية البيئة ولكن لمجرد أن النهر كان صديقي عندما كنت صغيرة أصطاد السمك. فقدان النهر أمر مؤلم ورهيب.

في عام 1994، غامرت روي بدخول حقل النقد السينمائي. ونتيجة اسلوبها اللاذع في كتابة مراجعاتها عن الأفلام دخلت في معارك وجدالات مع عدد من المخرجين لاسيما شيكار كابور، الممثل والمخرج السينمائي، الذي اتهمته باستغلال قصة فيلمه (Bandit Queen) الذي يتناول سيرة زعيمة عصابة وصفتها الصحف بـ “روبن هود الحديثة” وتحريف كل من حياتها والقضية التي دافعت عنها، وعدا ذلك لم يكن عادلاً  حين أظهرها كقاتلة في وقت لم يصدر القضاء الحكم بشأنها.

والشخصية موضوع الجدل فولان ديفي، الفتاة القروية التي زوجها والدها لرجل يكبرها في العمر، فكان أن شكلت عصابة للانتقام من زوجها، وبعد سجنها والافراج عنها، ترشحت للانتخابات وفازت ودخلت البرلمان، ثم لقيت حتفها اغتيالاً.

في هذه الفترة، عادت روي إلى كتابة رواية كانت قد بدأتها قبل بضع سنوات والتي كانت في النهاية روايتها الشهيرة “إله الأشياء الصغيرة” التي أنهتها في مايو 1996.

عرضت روي الرواية على الكاتب والصحفي بانكاج ميشرا، ولشدة تأثره بها أرسلها إلى عدد من الناشرين البريطانيين، وفي غضون أيام كانت روي تتلقى عروضاً غير مسبوقة لحقوق النشر. اختارت في النهاية دارين واحدة بريطانية والأخرى أمريكية. وفور صدورها، تُرجمت إلى سبع وعشرين لغة بينها ترجمتان باللغة العربية.

استحوذت الرواية على انتباه النقاد والقراء في جميع أنحاء العالم، وفي غضون أسابيع قليلة تم بيع 600 ألف نسخة منها، كانت حصيلة روي منها نحو مليون دولار. وظلت لأشهر طويلة مدرجة على قوائم أفضل الكتب مبيعاً.

تستند الرواية إلى طفولة روي في ولاية كيرالا، حيث تتعايش الأديان الرئيسة، المسيحية والهندوسية والإسلام واليهودية، مع أيديولوجيات كالماركسية. وتتناول تدهور عائلة عبر ثلاثة أجيال تمثل نماذج مصغرة للأسر والبيوتات الهندية، وما تعانيه من فشل عاطفي، ومن بؤس وحرمان.

رغم الشهرة التي جعلت منها نجمة أدبية لامعة، لم تتسرع روي في اصدار رواية أخرى، كما لم تكترث بالتكهنات المستمرة عن عائدات السوق الأدبي المالية، وبدلاً من ذلك راحت تعمل على عدد من الموضوعات التي تجدها أكثر إلحاحاً. وفي عام 2017، بعد ما يقرب من عقدين، أصدرت روايتها الثانية “وزارة السعادة القصوى”.

ـــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وناقد سينمائي عراقي متخصص، يكتب الى “طريق الشعب” اول مرة.

عرض مقالات: