اخر الاخبار

تذكرنا طرق ميثم الحربي بمجازية الطريق البدئي، الذي ساهم بتكوين الملاحظة، على ما هو موجود في الحياة اليومية.. مع فحص مجريات التفاصيل، التي يزاولها الفرد والجماعة، وكذلك المزاولات بكل تنوعاتها، البسيطة، العميقة، السهلة والصعبة، وكلاهما يستدعيان معاينة ما هو حاصل في الشارع الذي اعتاد عليه أرسطو، كانط، ديوجين. حتى لعب دوراً بارزاً بتكوين مشاهد جديدة في تكوينات العقل من كل ما حصل وجرى.

الطريق هو الشارع ذاته الذي تحدث عنه تلميحاً المفكر فالتر بنيامين أحد أبرز الفلاسفة في مدرسة فرانكفورت واختار بنيامين “الشارع “عنصراً في عنونة كتابه الثقافي والمعرفي وهو “شارع ذو اتجاه واحد “ولكل من التجربتين خصائص ثقافية، لكن تظل تجربة الحربي أكثر حضوراً وتميزاً، لأنها ذات خصائص أدبية، الشعر مختلف عن المقالات القصيرة جداً وعلينا أن نلفت الانتباه لكتاب بنيامين لأنه اعتمد التركيز كثيراً، وأسس أنموذجاً لم يكن معروفاً من قبل وهو تعبير عن مهارة وذكاء.

كتاب فالتير بنيامين كان وسيظل شاهدة على تباينات المساحة التي تتخذها الفلسفة مع ما يمكن أن نقول من ملاحظات و “طريق لا يسع إلا فرداً “للشاعر عبد الزهرة زكي من الانجازات النقدية والثقافية المتميزة فإن ما ذهب اليه فالتر بنيامين حضور مختلف عن السائد.

الشارع هو العقل وهذا ما ابتكرته الاسماء الفلسفية التي اشرنا اليها. اما الطريق فهو متباين عن الشارع لارتباطه بالبدئية والحياة الريفية المرتبطة بالمرور واختبار الممرات والمسالك ولا شيء ينقذنا مما نريد ونحلم به سوى الطريق، هو المنقذ والمخلص، الذي يقودنا لما نريد الوصول اليه، لان العقل متمكن، قادر على التأسيس، والفلسفة عتبة مؤسسة ابتكارية وهذا ما قاله الشعر “لا شيء سوى الطريق، اتمنى من يقرأ هذا النصوص ان ينتبه لما تكتمت عليه النصوص، لان التشارك بفحص النصوص عمل ابتكاري ايضا. فما سيقوله الفرد والجماعة، سيكون حزمة جديدة لم يعرفها التداول والتواصل سابقاً، لأن الذهاب نحو الطريق تأكيد على وجود الكثير في الطريق والدليل على ذلك ما نجح به الشاعر ميثم الحربي وسياحته وسط طريق لم يذهب اليها شخص ما. على الرغم من ان الطريق يفضي تلميحاً نحو الصوفية. وإن ظهرت ببساطة.

لا يستطيع المتلقي الباحث عن سريات الطريق ان يتجاهل حضور القوى المميزة للعقل وتنافذ شبكات القوة وتباينها واختلافاتها، لكنها شبكات كامن فيها التباين، وله حضور محفز للجدل. واهم معالم هذه التجربة الجديدة هو حضور العقل وسيادة الاستعارة وتباين الرموز عبر ما تشير اليه من دلالات. لا نستطيع الاقتراب كثيراً او قليلاً من معان الرمز، أو لنقل الاسطورة. لأنها الاستعارة “كما قال افلاطون “التي شغلت جاك دريدا وتعامل معها بوصفها شمساً، يراها الانسان لكنه غير قادر على التحديق بها. وتعامل معها بوصفها شمساً ساطعة وقوية، لا يقوى احد على التحديق بها والتعرف على تفاصيل تخفيها الشمس.

في نص حساس بكشوفه المشتبكة مع بعضها “طريق القافية “تجاوز ايقونية ميثم، لكن اعادة تراتيبات النص عبر توافقيات مشتركة سيتحول ايقونة.

يستعيد الشاعر “مفردة الريح “لكن المطرود، الشريد الذي تاه حتماً في الطريق لم ينجح بالتقاط يده من الريح فتخذله الاستعارة/ يجانس الشريد حاضره بماضيه وتبعثره القافية...//

اليد اكثر مكونات الجسد حضوراً ووظائفياً، فهي الكائن كله التقطتها الريح، بعصفها العرم ولم تقو على استعادتها وتحويلها الى جزء من الطينة، السبب الاستعارة التي لم تمكنه اعادتها الى ما كانت عليه. مع الذي لم يتفعل بقوة الريح. تظل اليد قائمة ومحمولة مع النثارات المحمولة الخفيفة، الثقيلة ومن بينهما اليد التي طاردها الشريد. وخذلته الاستعارة، جردت اليد من امكانيتها الرمزية. ويدخل ميثم نص “طريق القافية “وسط جدل الذي كان. والمفقود مثال ذلك اليد والتشاكل الضدي بين الحاضر والذي كان ومضى ثقيلاً بحاضره وماضيه. وبتيه النص من يد الشاعر وتطشره القافية.

نص “وظائف القافية “لم يشر الى وظيفة واحدة من وظائف اشار لها العنوان.” اليد عضو يمتلك وظائف طبيعية، متنوعة، فهي للأخذ والعطاء، وهي للتملك والمنح، لكن يد الانسان تكون للمس وقد تكون للصفع وقد تكون اليد يد السلطة ويد السلطة تداعب ولكنها تعاقب ايضا وقد تكون اليد للتقبيل او للتصفيق.

لم يستطع الهارب استعادة يده من الريح، لأن الاستعارة لم تمنحه ما يساعده على النجاح باستعادة يده. التماثل الفيلوجي بين مفردتين “يستعير/ الاستعارة، لكنه نجح بخلق تجانس بين الحاضر والماضي، وهذا يعني المحافظة على التشابه بينهما ويؤدي الى ان الحاضر ارتضى بالمثول بالماضي لكن الزمني غير قادر على الوقوع بالماضي، التراجع على الذي مضى. وهذه مقلوبات طريق القافية الذي اعطانا اسطورة ونصيتها واضحة اذا اخذنا ملاحظة شتراوس الذي قال “اليد ممكنة جداً للمعالجة الرمزية، ومع ذلك الجسد باق، مثلما هو ارتضى بماضيه، لكن حاضره الجديد تكرس بما امتلك من عنف الريح، وارتضى بالماضي، وما اعطته الطرق.

رمزية اليد سردية، لأنها تاريخ والتواريخ سرديات الشاعر غير قادر على قلب السرديات وتحويل ازمنتها، مثلما لم يتمكن الحاضر الانزواء بالماضي والعلاقة كما قال د. محمد رضا مبارك واضحة للعيان عن طريق التاريخ، لان الذاكرة تعتني بالتاريخ.

اليد هي الطاقة الرمزية الكبرى. التي ابتنت الحضارة من اول لحظة في بدئيات الزمن. ولذا حاول الكائن استعادة يده وفشل، لان الجزئي من الجسدي يتعايش على ما هو عليه.

لقد انقلبت المتعارفات التي استقرت عليها الكينونة، وحافظت على المألوف، لذا جاءت محاولة الكائن في استعادة يده امر صعب، وليس مستحيلاً. ما يريده الكائن الذي اختار طريق القافية لا يتمكن منه العقل/ الطريق، ونجاح القافية بحيازة طاقة الريح وقوتها لبعثرة ما لم يتم التمكن منه، واراد الشريد استعارته، وارتضى للأسف السقوط بعد الفشل في ازقة تشبهه، فيمتلئ التشبيه بالكدم

فيمتلئ التشبيه بالكدمات، يحذف الشريد كدماته، فيفضحه الصراخ/ ظل الطريق على ما كان منذ اللحظة البدئية. وحاولت سردية الاسطورة وفشلت، لكن الطريق حافظ على ما هو عليه، وما وقع في ازقة متشابهة للشريد وكست جسده بالكدمات. وهل هي صحوات ثقافية. او مراد التاريخ من اسطورته. ولم يكن له ما سعى اليه، خف صوت القافية وارتفع الصراخ بسبب كدمات الكائن وهو ارقة يشبه الانسان.

لقد تحولت الاسطورة في نص “طريق القافية “بعدما فشل الكائن/ الشريد من دمج حاضره بماضيه. المعادلة مقلوبة، لان الزمن قاس في تاريخ السرد واراد الشاعر تقليب الصفحات ويسحب الزمن صاعداً به من اجل ان يرضع الليل بنثار النهار، ولم ينجح ويلوذ بالفرار وهو يردد :

ما هذه البلاغة التي تضج بالعدوان!

الريح معتدية منذ البدء، واستمرار الاستعارة التي هي اسطورة بول ريكور، وما قاله الشريد الذي حافظ على انتمائه للطريق معترفاً بقوة البلاغة التي لم تخترق ما اراده الشريد وظلت الاسطورة كامنة في سرديات التاريخ.

الشاعر في ابسط تعريف لدوره هو الرائي الذي لا يبتعد عن الواقع الا يتقرب منه، اقترابه من مملكة الخيال، هو المغني الذي لا يكف عن الغناء حتى الجلجلة، الشاعر بهذا المعنى لابد ان يكون له موقف حضاري. اما الاسطورة فلها وظيفة حضارية ايضا/ د. محمد رضا مبارك/ الشعر والاسطورة/ مصر العربية/ للنشر والتوزيع/ 2010/ ص67//

ابلغنا الشاعر ميثم الحربي بأننا نعيش عبر جسدنا، نعبر عن وجودنا من خلاله “ونظهر للغير، وفي وضع معين بجسدنا. يحق لنا ان نقول اننا نتواصل جسدياً. وهناك علامات جسدية “اي كل القيم بل اشكال الحب والكراهية والحقد والمحبة والنبل، والانحطاط يبرزها الجسد، او يبرر لها...

الجسد الذي نعيش به محكوم بقانون يضبط سكونها مجتمع ينفذ به القانون بثقافة يتجسد بها/ اعداد وتقديم/ محمود ميري/ الجسد نصوص من التراث مجلة علامات/ ت4/ 1995.

عرض مقالات: