اخر الاخبار

إن كان من الجميل مصادفة الحب، فمن الحكمة الإبقاء عليه.

وقد سئل نفر من الناس رجل حكيم عن الفرق بين من يتلفظ بالحُب ومن يحياه.

فدعاهم لوليمة، وبدأ بمن لم تتجاوز كلمة المحبة شفاههم ولم تتلقفها قلوبهم، ثم جلس إلى المائدة وأجلسهم معه، وأضاء النور بشكل قوي، ثم أحضر حساًء وسكبه بصحونهم، وأحضر لكل واحد منهم ملعقة بطول متر، واشترط عليهم الإحتساء بهذه الملعقة العجيبة.

حاولوا تناول الحساء لكنهم لم يُفلحوا، لعجزهم عن إيصال الحساء إلى فمهم دون سكبه على الأرض، فقاموا جائعين.

قال الحكيم: “حسنا، الآن تمعنوا في الفرق” وأخفت الاضاءة في قاعة الطعام ثم دعا الذين يحملون الحُب بأعماق قلوبهم لذات المائدة، فقدم إليهم الملاعق الطويلة نفسها، فأخذ كل واحد منهم ملعقته وملأها بالحساء ثم مدّها إلى جاره الذي بجانبه ليطعمه، وبذلك طعموا جميعًا وقاموا ممتلئين محبة وشبعاً.

وقف الحكيم أمام الجَمْع وقال حكمته التي عايشوها عن قرب

:”من يعتقد أن بوسعه الجلوس على مائدة الحياة المستنيرة لإشباع نفسه فقط، فسيبقى جائعاً، أما من يهتدي لاشباع أخاه، فسيَشبَع ويُشبع من حوله ولو جالس على طاولة مظلمة”.

-النور يمنحك القدرة على المقارنة بين أطايب الطعام، أما الهداية فستنبهك لضرورة الإنتقاء الواعي بالإقلال من الكميات مع عدم التهالك على السكاكر كي لا تُستَكرش.

-الهداية تشجعك على عدم التباخل بالمعلومات، فيرد لك العلم فقهًا، أما المتقاطر بشحيح المعلوم، فمثله كتينة حمقاء، ومكانه مخصص في صحراء الحمقى.

-النور يدفعك للمشي بخطوات ثابتة في دروب الواقع، أما الهداية فتجعلك على يقين من ضرورة التمعن للإستفادة من دهاليز خيالك.

-النور يعين على القراءة للطالب، فيتعلم ويتخرج من جامعته ليتقلد منصب قاض، لكن الارادة هي وحدها من تعصم القاضي من الرشوة.

-النور يجعلك ترى وقائع الحادثة جلية، أما الهداية فتحول بينك وبين شهادة الزور.

-النور يساعدك على الإطلاع على الخرائط، على أنها لا تؤمن لك الوصول لجادة الحق، بينما الهداية هي التي تحول بينك وبين التيه في دروب الدنيا.

-النور يضيء لك الدرب فييسر لك أن تصادف الحب فيما الهداية تنير بصيرتك لاستبقائه.

- يتيح النور للأستاذ الجامعي متابعة مباراة الكرة، ولربما أصيب بسكتة قلبية حال خسارة فريقه لو كان عقله تافهًا، فيما تمنح الهداية إنسانًا غير متعلم القدرة على التمييز، فيشاهد المبارة ذاتها وهو يدرك أنه يتابع محض لعبة بين فريقين، فلا يفقد صحته أوحياته هباء.

- النور ييسر لك دروب العلم فتنال شهادة، فيما الهداية تهديك لطرق الإستفادة مما تعلمت بشهادة او بدون شهادة.

-النور غير كافٍ لإزالة الإلتباس بين الصح والخطأ، فيتناسى الرجل أن “الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس”، فتجده ينقب عن ثغرة كمخرج لشرعنة ما يستحله.

بالمقابل، يمنح الوعي الإنسان القدرة على عدم الوقوع في خبل خداع النفس، فيعلم كيف يفرق بين الصح والخطأ من دون التحايل لشرعنته.

فالكلب يأكل ما تلقيه له بيدك، فإذا خطر له سرقة عظمة، راح يختلس النظر ثم ينقض عليها ويولي الأدبار لتناولها خفية.

-النور يعينك على تحصيل علم ترتقي به لمرتبة تناطح بها أينشتاين، أما الدراية فتهديك أخلاق الأدباء، وبدون الدراية فأنت وأراذل الدنيا سواء، بل أنت من الجهلاء.

-النور يمنح التاجر فرصة فتح حانوته كل يوم، ما يسمح للزبائن بالشراء، إلا أنه من دون الهمة للعمل، والإصرار على الصدق، فلا بيع ولا شراء ولا ربح، ولو توفرت الكهرباء بالمجان.

-النور قد يسهل لك إقامة عرس فخم مضاء بثريات كأعراس ألف ليلة وليلة ومن ثم يتيح لك إبهار الضيوف، فيما توسوس لك الدراية والوعي بأن تخفت ضياء شمعتك ليظل بيتك منيرًا بدفء المحبة بعيدًا عن عيون الحاقدين.

-النور يجعلك ترى الآخرين دون غيرهم من الجديرين بالخير، بينما تجعل الارادة خيرك يفيض على الإنسانية كافة.

ــــــــــــــــــــــ

* كاتبة مصرية

عرض مقالات: