اخر الاخبار

في ترتيب لمعرفة مصير رجل مغيّب منذ ثلاث سنوات في دائرة أمنية، وافق أن يدفع بسخاء لعنصر وسيط  من بينهم، تعرّف  عليه أخيراً.  لم يحتمل خيالات تعتريه  كل ليلة عن أحوال ذلك الأخ وما يلاقيه في قبضة قاسية غاشمة..  لا  أهمية عنده  لقيمة العقارات التي  أضحت تنفذ من بين يديه  بمكاتب العقارات  في سبيل أن ينقذ حياة أخيه،  الشيء المهم عندما كان يسّر زوجته على انفراد:  هو أن يعود  الغائب سالماً  إلى العائلة.   لكنه مقابل ذلك السخاء لم يظفر من الوسيط  بنتيجة تطمئنه..  وحين ألحّ بالسؤال عن النتائج،  عمد العنصر  الوسيط إلى تفعيل أوراق أمنية ضده،  فأدرك النية  السيئة المبيتة  من لدن الوسيط، و بعض عناصر تشاركه اللعبة في الدائرة،  لوقف إلحاحه في معرفة مصير أخيه.  وضح الأمر له  عن طريق الاستدعاءات المتوالية، ومن شكل التحقيقات، وطبيعة الأسئلة  التي يجريها المحققون  معه.  آثر أن  يهدّئ اللعب،  ويتجنب الاحتكاك بهم، ويترك الأمر لمشيئة الله، ويتحلى بالصبر.. وبعد عدة أعوام  ترنح الوالي، وفرّ زبانيته من دوائر التصرف والإدارة، وحماية الأمن والنظام،  فهبّ الناس من ذوي المغيبين والمعتقلين المنقطعة أخبارهم  إلى تلك  المواقع، يتحرون أخبارهم عسى أن يمسكوا  خيوطا توصلهم إلى نتيجة..  

تناثرت السجلات والوثائق  في الغرف والممرات. وكان هو حاضراً  بين الجموع  في كل حين ومن أشد الباحثين عن مصير أخيه.  حتى أهتدى  ذات مرة بين تلك الأوراق إلى  كتاب سري وشخصي يشير الى إعدام خمسة مودعين لدى الدائرة بعد اعتقالهم بأسبوع واحد، ومن بين تلك الأسماء لاح له  أسم أخيه في التسلسل الثالث    أذهله مضمون الكتاب السري والشخصي،  وكانت له صدمة شديدة الوقع وموجعة،  وعلى الرغم من أنه تحلى بالتماسك أمام الآخرين الذين وفدوا لتعزيته بالنبأ،  إلا أن الحزن أخذ من  قلبه مأخذاً وأصبح ثقيلاً ومركّباً يضغط على مفاصل أحاسيسه ومشاعره بقوة لا تحتمل.فانطفأ ضياء الأمل الذي جعله يقاوم فراق أخيه الأصغر،  ويؤمله باللقاء ولمّ الشمل، وحزّ في روحه وجع  يلهب كالجمر حين قفل مؤشر ذاكرته على اسم العنصر  الوسيط، و أخذ شريط نذالته يُعاد مرات في اليوم الواحد. شريط مليء  بصور  الاحتيال والكذب والدناءة.. فقرر مع نفسه أن ينتقم من  العنصر الوسيط  عسى أن يطفئ سنان ذلك الجحيم  المتقد.هكذا رأى الحل الأمثل وحرص أن لا يسبقه  إليه أحد قبل أن يظفر به.. 

 الأحوال المضطربة مالت الى استقرار نسبي،  فراجع دائرة الأمن الجديدة التي تشكلت على انقاض المنظومة السابقة والتي عُرفت بكثرة سجونها  ودهاليزها حتى جعلت مفهوم الحرية شبحاً لا تُعرف معالمه.قدم طلباً  لمقابلة  مسؤول تنفيذي في الدائرة الجديدة، التي تبدلت شعاراتها واسلوب ادارتها والصور المعلقة على الجدران، يتضمن الطلب  شكوى ضد العنصر الوسيط  لأجل ان  يستدل بذلك  على عنوانه، ثم يتصرف معه بحسب نيته المضمرة..  أُبلغته الدائرة  بموعد المقابلة مع المسؤول التتفيذي. حضر مبكرا  في يوم المقابلة  فأوصله موظف الاستعلامات إلى غرفة الانتظار،  فوجد  أربعة منتظرين  قد سبقوه..  وبعد ان فرغوا من مقابلتهم، وصل إليه الدور فدلف نحو غرفة المسؤول  مستعداً بكامل القدرة على تحويل مشاعر  المسؤول إلى صفه، والتعجيل بتحقيق إرادة العدالة.. فتح الباب  و إحساسه بتعويض خسارة الأخ   كان حاضراً  بقوة. لكنه  تسمر ولم يحر حراكاً حين نظر إلى  المسؤول التنفيذي  الذي جاء لمقابلته..  أدار ظهره إليه،  وعاد أدراجه  يجر أذيال الأسى والخذلان،  فلم يكن  ذلك المسؤول التنفيذي  الجديد سوى العنصر الوسيط السابق  الذي يبحث عنه.

عرض مقالات: