اخر الاخبار

نشرت صفحتنا الثقافية بتاريخ 22/ 12/ 2022 قصة بعنوان “اسطورة سومرية: الذي لم يستطع ان يموت” للقاصة والمترجمة بثينة الناصري، وقد التمسنا من الأستاذ الناقد فاضل ثامر تقديم قراءة نقدية للقصة، فوافانا بهذه القراءة المضيئة.

في قصة بثينة الناصري القصيرة “اسطورة سومرية: الذي لم يستطع أن يموت” ، لجأت القاصة الى الميثولوجيا السومرية وحاولت اعادة قراءة وتفكيك هذه الأسطورة التي اختارتها، واعادة بنائها بصورة مغايرة تماماً، لتحمل مجموعة من الرموز والايحاءات والدلالات السيميائية البشرية و الأرضية، بعد أن جردتها من جوهرها الميتافيزيقي والعرفاني الاصلي. وقد مهدت القاصة لقصتها هذه بعتبة نصية مهمة أخذتها من اسطورة الخلق السومرية مفادها أن الناس بعد موتهم يذهبون الى الجحيم، ولكن هناك حالات يخفف فيها العذاب: اذا دفن الميت بشكل لائق، واذا قدم الأهل قرابين للآلهة، واذا كان الميت قد انجب ذرية كبيرة، أو اذا كان من سلالة غنية.

والقصة تدور حول إنسان لم يستطع أن يموت، على الرغم من عدد المرات التي قتل، أو مات فيها، مما أثار إمتعاض كبير الآلهة الجالس على العرش (آنو) إله السماء السومرية الذي طلب من الحاجب تفسيراً لذلك، فأخبره أن رجلاً من البشر كان قد قاد ثورة في بلاده وهو يصر على المثول بين يديه، وأنه سيظل واقفاً حتى يسمح له بذلك.

وغضب (آنو) لذلك مؤكداً أن أعضاء مجمع آلهة الانانوكي فقط هم من يحق لهم الحضور بين يديه،لكنه اضطر أخيراً للموافقة.  ولذا وبعد المثول بين يبدي كبير الآلهة (آنو) ،تقرر إرساله الى بلاد بعيدة، وفعلاً يرسل الى الهند الصينية، لكنه يعود ثانية بعد أن أحرق نفسه احتجاجاً على السفارة الأمريكية هناك. وتكرار الأمر كثيراً، إذْ كان هذا المتمرد، يعود كل مرة ثانية في ميتة جديدة. وخلال ذلك كشف (نركال) إله الجحيم يتذمر كثرة الموتى بسبب  الحروب  التي أطلقها (آراد) اله الوباء والحرب الذي تسبب في دفع عدد كبيرمن الموتى، لا طاقة للجحيم باستيعابه ، كما أن أساليب التعذيب لم تعد كافية، مما يقتضي استعارة بعض الأساليب المتقدمة التي ابتكرها البشر. وقد وافق كبير الآلهة (آنو) لارسال من يثق به  ليتقصى هذه الاساليب، وأجاب (نركال) في نبرة لا تخلو من السخرية أنه لم يعد يثق بأحد، لأن آخر مندوب لهم طلب اللجوء السياسي لدى البشر.

وتنتهي القصة حيث يظل الرجل ينتقل من ارض الى أخرى ومن بلد الى آخر، حتى لم تعد هناك ثورة لم يقدها.

في هذه القصة نجد عالمين عالم الآلهة (الأنوناكي) وهو عالم عرفاني ميثولوجي مقدس يحرم على البشر الدخول اليه، وعالم البشر المتمثل بالرجل الذي يرفض أن يموت، ويخرق التابوات العرفانية لمجمع الآلهة ( الآنوناكي) لدرجة يعجز كبير الآلهة (آنو) وآلهة (الانوناكي) في التخلص منه، وهو يؤشر انتصار البشر على الآلهة، ذلك أن البشري هذا لا يخشى الميتات المتعددة وظل يقود الثورات والتمردات في كل مكان يحل فيه، وهو موقف ينطوي على دلالات سيميائية عميقة تؤشر إنتصار البشر على عرفانية وقدسية مجمع آلهة (الانوناكي).

قصة “أسطورة سومرية: الذي لم يستطع أن يموت” توظف بذكاء الميثولوجيا السومرية وتركز على الصراع بين المقدس العرفاني وسلطته في مقابلة إرادة البشر الفاني، لكنها في النهاية تنتصر الى موقف الانسان في مواجهة سلطة مجمع آلهة (الانوناكي) وكبير آلهة سومر (آنو)، والتي عجزت عن التخلص من رجل واحد، كان يعود دائماً بعد كل هذه الميتات، مما وضع سلطة العرفان موضع شك في قدتها  لمواجهة الكائن البشري.

نجحت القاصة في أن نخرج من الطبيعة الرفيعة للغة السرد الميثولوجي الى شفافية لغة السرد الحديث، بمفاهيمه المدنية المعروفة، كما عمدت الى ضخ مجموعة من الأسئلة الوجودية عن دلالة المقدس الارضي، وعن الحياة والموت وقدرة الانسان على خرق التابوات والانتصار على سلطة الكهنوت العرفانية، من خلال حس شفاف بالسخرية وتمرير رسائل فكرية،متعددة ومعقدة.

عرض مقالات: