اخر الاخبار

راجعت الحوارات المشتركة  بيني وبينها قبل قليل، لم أجد واحداً منها يخلو من صدق، وجدت كم كنا نحترق روحين هائمين ببعض إلى أن  غطت موجة جديدة من المغول مساحاتنا، وأصبحنا لفرط طيبتنا نسمح لهم باحتلال عشقنا فاختنق الحب . كان أسوأ ما بيننا من حواجز تدفع بها في طريقنا  كائنات المغول الذين وأن مسحتهم الأيام حقا من تاريخنا لكنهم مفرطون بغيرة جنونية ومن دون أخلاق في لعبة الغزو  وإن تلبسوا بأرواح غريبة عنهم إفرنجية أو شرقية أو محلية في الغالب.  ان فلسفة الغزو في أعماقهم هي حدوث مشاهد النهب والإذلال في الآخر لتشعر أرواح أسلافهم بالهدوء والراحة . ان المحليين المهيئين  لحمل أوزار اللعبة بهتت ألوانهم و مُسخت سيماهم  بمرور التفاصيل ، تراهم يسرفون  في إعدادات الإلغاء الكوني ، ويأملون أن تكون الأرض في قبضة أيديهم كما يبغي ذلك الأب الأعلى   “ جنكيزخان” .  يجتهدون في طاعة نوازعه في تناسل بقائه المعنوي ودوام هويته و خلو التاريخ من منافس له  و جعل الناس دمىً في طوعه وان يمنعوا الناس  من التفكير في وجودهم التاريخي بروية وعقل .  فالمحليين المتلبسين بالمغولية أسوء بكثير من المغول أنفسهم فهم في وهمهم خلقوا من ذواتهم  مغولاً كباراً لا تحد نوازعهم حدود في الهدم والنهب . الأجيال تتلمس الأمر في تفاصيل حياتها  إلا أن رؤيتها البريئة تزوغ عن الحقائق بضبابية معتمة جراء ما يكتبه المزيفون بمختلف الشؤون لإرضاء نوازع  المغول المتعاقبين. ما يلاقيه العموم في مختلف الأزمان هو تجسيد لهذا النوع من الواقع الخشن  الذي ألقى بظلاله القاتمة على صباحات القرون فأظلمت . تحدث التفاصيل غيلة  مع المحرومين من لذة الحياة وهناء العيش كما حدث مرة  في منتصف العقد الثمانيني من القرن العشرين  في الحرب وأبان خضوع بغداد لسطوة الوحوش وتفاقم نزوة الإلغاء فكانت الفرمانات  تتقافز بشهوة من فم جنكيزخان المحلي فقرر ان يستمتع بحرية آلاف  من بؤساء لم ترق له مزاياهم المسطرة في تقارير كتبها عنهم أتباعه  صغار المغول. كتب رأيه بخط احمر فوق كتاب وزارة الجند  “ اهدموا حرية الأوباش  “ . لم يعرف قادة الجند  تأويل رأيه فظلوا مترددين  اختيار طريقة في هدم حرية هؤلاء.

وضعوا آلاف المعنيين بالقرار  في معسكر انعزالي بمحاذاة شط الفرات. جيء بهم من وحدات متفرقة من  قوات الجند ، الصفة الجامعة لكل هؤلاء هي أنهم  ليسوا مغولا وصورهم كتبة التقارير أعداءً لسموه العظيم . فقد وردت في التقارير أوصاف مختلفة،  فقد خصت كلمة “فوضويون” أكثر من ألفين منهم ، وكلمة شروكي  بحدود الألفين أيضا، وكلمة متردد  بحدود الألف وكلمات مثل قرمطي و فيلي وتبعية و بلوشي وبهائي خصصت للمتبقين..   كنت من بينهم ينتابني تقزز شديد وأنا أحس   بنظرات الحراس وهزوهم منا سيما كبيرهم رئيس عرفاء المعسكر والذي خصص كمسؤول عن هذا التجمع العنصري الذي فقع بغتة في فضاء الحرب. ليس صعبا ان ترى ملامح مغولية فاقعة في وجه رئيس عرفاء المعسكر أو تركيبه الجسماني وامتداد شاربيه المعقوفين إلى أعلى حتى حجم بسطاله الأحمر فكان كما علمت نمرة       مدهشة ، وسلوكه مع المادون وبذاءة كلماته معهم وانحناءه المفرط للما أعلى وألفاظه اللينة أمامهم تثبت تشوه نسله تاريخيا والتصاقه الحميم بالمغولية. فلستُ مبالٍ أو متعجب لكلامه حين لقائه الأول بنا وهو ينحت لنا مفردة يراها لائقة بنا ومحببة إلى قلبه فصرخ بغرور طافح :  “ منبوذين تجمع”  . النبذ كلمة  بغيضة حاقدة  عصية على الهضم والتقبل اختارها لتكون لصيقة بقوم لا حيلة لهم دون أن يشهدوا ذلك المصير الثقيل فجلهم من المتعلمين والمثقفين والسياسيين والفنانين يواجهون الانزعاج السلطوي في كل مرة ينهضون، أو يستريحون، أو يأكلون، أو ينامون... هناك ضباط لم يصبهم فايروس المغولية  فلم ترق له  هذه الأهانات التي ينتجها المغول في معسكر الانعزال بحق هؤلاء فطلبوا من قيادتهم أن يجري تفكيك هذه الحالة  المريبة على أسس مهنية...  لكن  برقية من مكتب جنكيزخان أصرت على أن يساق المنبوذين إلى هجوم قادم لتحرير قطعة أرض سقطت في يد العدو اثناءعمليات الحرب الطويلة . السؤال الذي دار بين المنبوذين باستغراب شديد: هل سيتم تسليحنا ؟ كان الجواب سهلاً: تأتي الأوامر وتعرفون. في صبيحة سبت ثقيل جاءت  أرتال من سيارات ايفا العسكرية لتحميل هؤلاء إلى جبهات القتال ولكن،   لماذا لم تسلحوننا ؟  ستكون مهمتكم من دون سلاح .. كيف نلاقي عدواً من دون سلاح ؟  يقول المعظم جنكيزخان مهمتكم أن تفجروا الألغام التي زرعها العدو في الخط الأمامي مع جيشنا بأجسادكم العارية،  امضوا فأنها فرصتكم المثلى في التكفير عن ارتدادكم الجيني بأن تفتحوا ثغرات آمنة للجيش الوطني  وتمضون كومبارسا للبغال والحمير ثروتنا التي تناقصت أعدادها جراء زجها الطويل في سحق الألغام ، ألا يشرفكم هذا الدور المجيد ؟            

 من يومها رفضت دور الكومبارس مفهوما وواقعا ، و هربت من أسوار المعسكر و تسللت الحدود باحثاً عن حريتي المفقودة ،  ولما اخبرني المهرب أن أركب البغل لتجاوز الحدود وافقت سريعا وأنا اضحك كالمنتصر من البغل و من المغول..

عرض مقالات: